القائمة الرئيسية

الصفحات

دلالة الأمر في القرآن الكريم سورة الضحى أنموذجا



دلالة الأمر في القرآن الكريم
سورة الضحى أنموذجا

إشراف الأستاذ الدكتور: خلوق الآغا
إعداد الطالب : معتز منتصر محمد خطيب

المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
 أما بعد لقد من الله علينا بالقرآن الكريم وأودع فيه الكثير من أسراره, فكان ذلك محط اهتمام العلماء منذ نزول أول آية من كتاب الله , حيث اعتنوا بتفسيرها وبيان المعاني والدلالات والمقاصد والأحكام التي تشتمل عليها الآيات, فأردت أن أكتب في دلالة الأمر في القرآن الكريم مركزا بحثي على الأوامر التي تضمنتها سورة الضحى وبيان دلالاتها وما بها من أحكام أسأل الله ان يعينني ويوفقني لما فيه خير
مشكلة البحث:
تظهر مشكلة البحث في الاجابة عن سؤال: (ما هي الأوامر التي اشتملت عليها سورة الضحى وما هي دلالات هذه الأوامر).
ويتفرع عن هذا السؤال عدة أسئلة فرعية :
1-     ما هو المقصود بالدلالة وما هو المقصود بالأمر لدى الأصوليين؟
2-     ما هي أنواع الأمر وصيغه وتحت أي نوع وصيغة تندرج أوامر سورة الضحى ؟
3-     ما هي المعاني التي اشتملت عليها الأوامر في سورة الضحى؟
4-     ما هي الأحكام الشرعية التي يمكن ان نستفيدها من بحثنا عن دلالات الأوامر في سورة المضحى؟
أهمية البحث:
تنبع أهمية البحث من كونه بحثا متعلقا بالقرآن الكريم وآياته , فمن هنا جائت أهميته  ثم انه يفتح بابا من أبواب المعرفة حيث يزيل اللثام عن المعاني الباطنة التي تتضمنها صيغة الأمر وما لهذه المعاني من فوائد جليلة في استخلاص الأحكام الشرعية .





أهداف البحث:
1-     بيان معنى الدلالة ومعنى الأمر في اللغة ولدى أهل الأصول .
2-     بيان أنواع الأمر وصيغه.
3-     بيان المعاني التي تشتمل عليها صيغ الأمر.
4-     بيان دلالة الأوامر الواردة في سورة الضحى شرحا وتوضيحا.
الدراسات السابقة :
- دلالات الأمر فى القرآن الكريم, دراسة بلاغية: مختار عطية عبدالعزيز
- دلالات الأمر والنهى : دراسة أصولية وتطبيقات معاصرة ,الجمعية الاسلامية -العالمية , ماليزيا
-الأمر والنهي عند الأصوليين : عزت كامل مصطفى الجعفري (رسالة دكتوراه من جامعة الخرطوم)
- الأمر والنهي في السنة ودلالتهما عند الأصوليين : إبراهيم جمال سعيد شعابنة (رسالة ماجستير في جامعة النجاح الوطنية – فلسطين)



خطة البحث
 وقد قسمت بحثي إلى :
مطلب تمهيدي في الدلالة (المفهوم والتأسيس)
المطلب الأول: تعريف الأمر
أولا: تعريف أهل اللغة
ثانيا: تعريف الأصوليين
المطلب الثاني: أنواع الأمر وصيغه
أولا: أنواع الأمر
ثانيا: صيغ الأمر
المطلب الثالث : بعض المعاني التي يتضمنها الأمر.
المطلب الرابع: دلالة صيغة الأمر مع الأمثلة (التطبيق من سورة الضحى)



المطلب التمهيدي
 الدلالة: التأسيس و المفهوم.
سعى علماء الأصول إلى استثمار بحوث اللغة ليتمكنوا من استخراج الأحكام الفقهية، فالبحث في الدلالة بالنص اضطرهم إلى البحث في دلالة الكلمة، فدرسوا دلالة الكلمة اللغوية ودلالتها النحوية، يقول الرازي:  "فاللفظ الدال على لفظ مفرد دال على معنى مفرد وهو لفظ الكلمة وأنواعها وأصنافها فإن لفظ الكلمة يتناول لفظ الاسم وهو لفظ مفرد ويتناول الوصف كلفظ الرجل وهو لفظ مفرد دال على معنى مفرد وكذا القول في جميع أسماء الألفاظ كالقول والكلام والأمر والنهي والعام والخاص وغير ذلك"[1].
ولعل محمد بن إدريس الشافعي يعتبر واضع حجر الزاوية في علم الدلالة فقد عرَّف البيان بأنه "اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع". لقد كان الشافعي لغويًا وفقيهًا ورأى أنه لا يمكن استخلاص المضامين الشرعية من القرآن إلا بالرجوع إلى اللغة، ولهذا فإن القاعدة الأولى في التفسير هي البحث عن الدلالة اللغوية للنص الشرعي لأن التفسير يعني البيان[2].
وقد اهتم علماء الأصول بدراسة القواعد اللغوية لأنها أداتهم المباشرة لمعرفة معاني الألفاظ ودلالاتها. ومن هنا تكونت القواعد اللغوية الأصولية ليتسنى الاستنباط الصحيح للأحكام يقول شيخ الاسلام ابن تيمية :" (إذا عُرف المتكلم  فُهم من معنى كلامه ما لا يفهم إذا لم يُعرف؛ لأنه بذلك يعرف عادته في خطابه، واللفظ إنما يدل إذا عرف لغة المتكلم التي بها يتكلم وهي عادته وعرفه التي يعتادها في خطابه، ودلالة اللفظ على المعنى دلالة قصدية إرادية اختيارية؛ فالمتكلم يريد دلالة اللفظ على المعنى، فإذا اعتاد أن يعبر باللفظ عن المعنى كانت تلك لغته"[3].
هكذا يبدو جليًا أن علم الأصول ينتهي إلى البحث في علاقة اللفظ بالمعنى  وهذا هو مفهوم الدلالة وهذا البحث جرَّهم إلى التعمق في درس اللغة.
 لقد ناقشوا عديد القضايا اللغوية والبلاغية واستطاعوا أن يضعوا الأسس لنظرية متكاملة في الدلالة بحثًا ومنهجًا تتمازج فيه علوم اللغة وعلم الأصول استخرجوها من تدبر النص الديني ومن دراسة الكلمة من حيث الشكل والمعنى، ولم يدرسوا الكلمة بصفة منعزلة، بل درسوها كوحدة منضوية تحت نظام، مندرجة تحت شبكة من العلاقات، وهي رؤية تجعل مختلف العلوم منضوية تحت نظام النحو الذي يؤسس الدلالة ويحقق التواصل، ونظام النحو هو منطلق اللغة الذي يسير مختلف العلاقات التي تربط الكلم بعضه ببعض"[4].



المطلب الأول: تعريف الأمر
أولا: تعريف أهل اللغة
يقول ابن فارس "أمر: الأمرُ: واحد الأمور,وأمرت أمراً, وأئتمرتُ، إذا فعلت ما أمرت به, وائتمرتُ: (أيضآ) ، إذا فعلت فعلاً من تلقاء نفسك ومنه قوله:ويعدو على المرء ما يأتمر, والإمرُ: العجبُ, الإمارة: الولاية [وكذلك الإمرة] ، والأمارة [والأمار] : العلامة, وأمرةٌ مطاعة, والأمر: الحجارة المنضودة, والأمير: ذو الأمر, وزوج المرأة أميرها, ورجل إمرعلى (وزن) فعَّل: يأتمر لكل أحد هو ضعيف الرأي, ومهرة مأمورة: كثيرة النتاج، ومؤمرة أيضاً, وأمر القوم أمراً: كثروا.ويقال:الأمارُ: الموعدُ, انتهى"[5]
ويعرفه صاحب كتاب تيسير أصول الفقه للمبتدئين: "الأمر لغة: يجمع على أوامر، ويأتي على معان في اللغة، فيأتي بمعنى: الشأن، وبمعنى: القضاء، وبمعنى: طلب الشيء، يقال: أمره كذا، أي: شأنه كذا، وحاله كذا"[6].
وقد يأتي الأمر في اللغة بمعنى الطلب أو المأمور به، قال الأشموني:(والأمر: اللفظ الدال على الطلب)، تقول: أَمره به وأَمره، وأمره إياه، يأمره أمرًا وإمارًا فأْتمرأي قبِلَأَ مره؛ وأمرته أمري: ما ينبغي لي أن آمره به . وأمرته أمره: بما ينبغي له من الخير.:وقوله عز وجل:(وأمرنا لنسلم لرب العالمين)؛ العرب تقول: أمرتك أن تفعل ولِتفعل وِبأَن تفعل، فمن قال: أمرتك بأن تفعل فالباء للإلصاق والمعنى وقع الأمر بهذا الفعل، ومن قال أمرتك أن تفعل فعلى حذف الباء، ومن قال أمرتك لتفعل فقد أخبرنا بالعلة التي وقع الفعل لهاالأمر، والمعنى أُمرنا للإسلام"[7].
ويطلق على الحال والشأن، يقال: أمر فلان مستقيم، وأموره مستقيمة، فإذا جاء الأمر بهذا المعنى، أو بمعنى الفعل جمع على أمور، بخلاف ما لو جاء بمعنى الطلب أو ضد النهي فجمعه الأصوليون على أوامر, وقولهم: لك علي أَ مرة مطاعة، معناها لك علي أَمرة أطيعك فيها، وهي المرة الواحدة من الأمر. ولا تقل إمرة بالكسر، إنما الإمرة من.( الولاية)"[8]
ويطلق على الحادثة. وفي التنزيل العزيز: (ألا إلى الله تصير الأمور), وقوله عز وجل: (وأوحى في كل سماء أمرها) ؛ قيل: ما يصلحها، وقيل: ملائكتها؛ كل هذا عن الزجاج"[9].
يقول ابن منظور: "وقد يطلق الأمر ويراد به الشيء، كقولهم: تحرك الجسم لأمر، أو لشيء. ومنه قوله تعالى: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)[10].
قال ابن هشام الأنصاري: "وعلامة الأمرمجموع شيئين لابد منهما، أحدهما: أن يدل على الطلب، الثاني: أي يقبل ياء المخاطب"[11].



ثانيا: تعريف الأصوليين
تعريف القاضي أبوبكر ومن وافقه كإمام الحرمين الجويني الشافعي وأبو حامد الغزالي: (الأمر هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به)، وأضاف بعضهم: (هو القول المقتضي بنفسه طاعة المأمور بفعل المأمور به). قالوا: فالقول احتراز عما عدا الكلام، والمقتضي احتراز عما عدا الأمر من أقسام الكلام، وبنفسه لقطع وهم من يحمل الأمر على العبارة فإنها لا تقتضي بنفسها وإنما يشعر بمعناها عن اصطلاح أوتوقيف عليها، والطاعة احتراز عن الدعاء ( والرغبة من غير جزم في طلب الطاعة)"[12].
و جاء في أصول السرخسي الحنفي: (اعلم أن الأمر أحد أقسام الكلام بمنزلة الخبر والإستخبار، وهو عند أهل اللسان قول المرء لغيره افعل، ولكن الفقهاء قالوا هذه الكلمة إذا خاطب بها المرء من هو مثله أو دونه فهو أمر، وإذا خاطب بها من هو فوقه لا يكون أمرًا، لأن الأمر يتعلق بالمأمور. فإن كان المخاطب ممن يجوز أن يكون مأمور المخاطب كان أمرًا، وإن كان ممن لا يجوز أن يكون مأموره لا يكون أمرًا، كقول الداعي: اللهم اغفر لي وارحمني، يكون سؤالا ودعاء لا أمرًا"[13].
ذهب البلخي وأكثر المعتزلة إلى أن الأمر هو: قول القائل لمن دونه (افعل) أو ما يقوم مقامه"[14].
وعرفه ابن الحاجب المالكى بتعريف أدق من تعريف سابقيه فقال: الأمر اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء"[15].
الخلاصة: يتضح مما سبق أن التعريف اللغوي للأمر أعم من الاصطلاحي، لأن اللغوي يشمل الطلب وغيره من الأقوال والأفعال، أما الاصطلاحي فيدور حول الطلب فقط.



المطلب الثاني: أنواع الأمر وصيغه
أولا : أنواع الأمر
الأمر على ثلاثة أنواع: الأمر من الأعلى للأدنى، والأمر من الأدنى للأعلى، والأمر من المقارن، أي: الذي يعتبر قريناً.
فالأمر من الأعلى للأدنى هو أمر من الرب للعبد، وهذا على وجه اللزوم، ويجب فعله دون توان ، والأمر من الأدنى للأعلى معناه: الدعاء، فتقول: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم فإنك أنت الأعز والأكرم، فقولك: (اغفر) أمر يراد به الرجاء والدعاء والتذلل والاستكانة، ومثله قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}، فهذا أيضاً دعاء، أما من القرين الذي هو أصلاً في نفس الطبقة فمعناه: التماس، وسواء قلنا: إنه رجاء نتنزل به، فهو التماس واستسماح"[16].
ويقول شارح الأجرومية : " الطلب إما أن يكون من أدنى إلى أعلى، وإما أن يكون من أعلى إلى أدنى، قالوا إن كان من أدنى إلى أعلى فهو طلب، لكنه يسمى ماذا؟ يسمى دعاء، إذا كان من أدنى إلى أعلى، {ليقضِ علينا ربك} أيضا هذا من أدنى إلى أعلى، فهذه اللام لا نسميها لام الأمر وإنما نسميها لام الدعاء، {لينفقْ ذو سعة} هنا من أعلى _أمر الرب جل وعلا_ الأدنى البشر، إذن تسمى لام الأمر, إذن لام الأمر والدعاء شيء متحد، وإنما المراعي فيه المخاطب _يعنى التقسيم_ هنا من باب الأدب فقط، وإلا هو عينه، [ولام الأمر والدعاء]: يعنى اللام الطلبية"[17].



ثانيا: صيغ الأمر
-  صيغة ( افعل): صيغة الأمر الدالة عليه بالوضع هي (افعل) قال في شرح جمع الجوامع:والمراد بها كل ما يدل على الأمر من صيغته، فيدخل افعلي وافعلا وافعلوا واستفعل وانفعل وغير ذلك[18] كقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة).
"وصيغ الأمر من الثلاثي (افعل) نحو اسمع، وافعل نحو احضر، وافعل نحو اضرب، ومن الرباعي فعلل نحو قرطس، وأَفعل نحو أَعلم، وَفعل نحو علِّم، وفاعل نحو ناظر. وهناك أيضا عدة صيغ من الخماسي ومن السداسي، مثل: افتعل نحو استمع (خماسي) واستفعل نحو استخرج (سداسي)"[19].
قال السرخسي: "الأصل أن المراد بالأمر يعرف بهذه الصيغة فقط ولا يعرف حقيقة الأمر بدون هذه الصيغة في قول جمهور الفقهاء"[20].
- صيغة (اسم الفعل) كقول الله تعالى:{عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} أيضاً قول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح، اسم فعل أمر
 قال الإسنوي: ويقوم مقامها اسم الفعل كصه[21]
- (المضارع المقرون بلام الأمر) قال الإسنوي: ويقوم مقامها اسم الفعل كصه، والمضارع المقرون بلام الأمر، مثل: (وليحكم أهل الإنجيل). وقد اختلف النحويون في أصل فعل فعل الأمر هل هو (افعل) أو (ليفعل)؟ فذهب قوم إلى أن الأصل (ليفعل) لأن الأمر معنى، والأصل في المعاني أن تستفاد بالحروف، وذهب الأكثرون إلى أن الأصل (افعل) لأنه يفيد المعنى بنفسه بلا واسطة بخلاف (ليفعل) فإنه يستفاد من اللام. حكاه العبكرى في (شرح الإيضاح)[22].
- مادة (أمر) ومادة (كتب) ومادة (وصى) ومادة (فرض)
 يأتي الأمر بمادة (أمر)، نحو قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). وبمادة (كتب)، نحو: ( ُ كتب عليكم الصيام) ، وبمادة (وصى) كقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) ، وبمادة (فرض),
كقول ابن عمر في الحديث: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان كذا وكذا وكذا)،
قال الغزالي: "قول الشارع: أمرتكم بكذا، وأنتم مأمورون بكذا، أو قول الصحابي: أُمرت بكذا، كل ذلك صيغ دالة على الأمر"[23].
- (الجملة الخبرية الدالة على الطلب)
كما في قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) ، و (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء).
والسبب في جواز هذا المجاز: أن الأمر يدل على وجود الفعل، كما أن الخبر يدل عليه أيضًا، فبينهما مشابهة من هذا الوجه، فصح المجاز"[24].
- وكذلك يستدل على الأمر بترتيب الثواب على الفعل والإخبار بمحبة الله وما أشبه ذلك، كقوله تعالى: (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات) وقوله عز وجل: (والله يحب المحسنين)، وقوله سبحانه: (وإن تشكروا يرضه لكم)، وما أشبه ذلك فإن هذه الأشياء دالة على طلب الفعل في المحمود"[25].
- ( المصدر النائب عن الفعل ) ومن صيغ الأمر أيضاً: المصدر النائب عن فعل الأمر، كقول الله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (فضرب): مصدر نائب عن فعل أمر، أي: اضربوا الرقاب"[26].



المطلب الثالث : بعض المعاني التي يتضمنها الأمر(دلالة الأمر).
اجتهد العلماء في بيان المعاني التي يتضمنها الأمر فمنهم من أطال ومنهم من اقتصد وأكمل اللاحق منهم عمل السابق, وسأورد أهم المعاني التي اتفق عليها العلماء[27].
1- الوجوب، أو الإلزام، كقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) ( وآتوا الزكاة).
2- الندب، كقوله تعالى: (فكاتبوهم)، وقوله تعالى: (وافعلوا الخير).
3- الإرشاد، كقوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم). قال الآمدي: (وهو
قريب من الندب لاشتراكهما في طلب تحصيل المصلحة، غير أن
الندب لمصلحة أخروية، والإرشاد لمصلحة دنيوية).
4- الإباحة، كقوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم)، وقوله تعالى:
(فاصطادوا)، و (فانكحوا ما طاب لكم من النساء).
5- الدعاء أو السؤال، كقوله: اللهم اغفر لي.
6- التأديب، كقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (كل مما يليك).
7- الامتنان، كقوله تعالى: (كلوا مما رزقكم الله)
8- الإكرام، كقوله تعالى: (ادخلوها بسلام آمنين).
9- التهديد، كقوله تعالى: (اعملوا ما شئتم).
10- الإنذار، كقوله تعالى: (قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) .
ومن التهديد الإنذار، وقد جعله جماعة قسمًا آخر ولا شك في ثبوت الفرق بينهما، إذ التهديد هو التخويف، والإنذار هو الإبلاغ.
قال الزركشي: (الفرق بين الإنذار والتهديد من وجهين: أحدهما: الإنذار يجب أن يكون مقرونًا بالوعيد، والتهديد لا يجب فيه ذلك بل قد يكون مقرونا به وقد لا يكون، وثانيهما: أن الفعل المهدد عليه يكون ظاهره التحريم والبطلان، وفي الإنذار قد يكون كذلك وقد لا يكون"[28].
11- التسخير، كقوله تعالى: (كونوا قردة خاسئين).
12 - التعجيز، كقوله تعالى: (كونوا حجارة أو حديدًا).
13 - الإهانة، كقوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الحكيم).
14- التسوية، كقوله تعالى: (فاصبروا أو لا تصبروا).
15 - التمني، كقول الشاعر: ألا يا أيها الليل الطويل ألا انجلِ.
16 - كمال القدرة، كقوله تعالى: (كن فيكون).
هذا وقد اتفق السرخسي معهم في الأوجه الأولى، وأضاف
17- التوبيخ كقوله تعالى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك)
18- والتقريع، كقوله تعالى:(فأتوا بسورة من مثله) ، وهذا الوجه الأخير أقرب في معناه إلى التعجيز.
19- وزاد إمام الحرمين[29] في البرهان الأمر بمعنى الإنعام، كقوله تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم).
20- وزاد أيضًا[30] الأمر بمعنى التعويض، كقوله تعالى: (فاقض ما أنت قاض).
هذا ووجدت زيادة على موقع الدكتور مبارك المصري النظيف  أضاف أيضا[31] .
21-  الإذن: (وإذا حللتم فاصطادوا)  والإذن يكون بعد المنع، بخلاف الإباحة.
22- التحسير واللوعة، كقوله تعالى: (قل مـوتوا بغيظكم ).
23 - الخبر كقوله: ( فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ) والمعـنى: أنهم سيضحكون ويبكـون.
24 - التكذيب، كقوله: (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ).
25 - المشورة، كقوله: ( فانظر ماذا ترى ).
26 - الاعتبار كقوله: ( انظـروا إلى ثمـره إذا أثمر وينعه).

27 - التعجب كقوله: (انظر كيف ضــــربوا لك الأمثال)
28 - التخيير كقوله: ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ).
29 - التصبير: ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا).



المطلب الرابع: دلالة صيغة الأمر مع الأمثلة (التطبيق من سورة الضحى)
قال تعالى : (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11).
بعد دراسة آيات سورة الضحى يتبين لنا أن السورة بمجملها تحوي أمرا واحدا وهو في الآية رقم (11) في قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) , حيث استخدم الله فعل الأمر (فحدّث) , فما نوع هذا الفعل؟ وما صيغته؟ وما هي دلالته؟ , هذا ما سنشرع بالإجابة عنه في المطلب التالي.
أولا: نوع الفعل (فحدّث).
عرفنا سابقا أن الأمر على ثلاث أنواع: الأمر من الأعلى للأدنى، والأمر من الأدنى للأعلى، والأمر من المقارن، أي: الذي يعتبر قريناً.
فالأمر من الأعلى للأدنى هو أمر من الرب للعبد، وهذا على وجه اللزوم، ويجب فعله دون توان ، والأمر من الأدنى للأعلى معناه: الدعاء، فتقول: رب اغفر وارحم  أما من القرين الذي هو أصلاً في نفس الطبقة فمعناه: التماس، وسواء قلنا: إنه رجاء نتنزل به، فهو التماس واستسماح".
ويظهر لنا أن الفعل ( فحدّث) هو أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فهو بذلك داخل تحت الفئة الأولى وهي (أمر من أعلى لأدنى ) .
ثانيا : صيغة الفعل ( فحدّث).
استخدم الله تعالى صيغة الأمر المباشر باستخدام صيغة الأمر من الفعل الرباعي (فعّل) الدالة على الأمر  وإعرابه "(ف) رابطة لجواب (أما ) و(حدّث) فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت".



ثالثا : دلالة الأمر في الفعل (حدِّث).
تعددت آراء الفقهاء في دلالة الأمر , وربطوا ذلك بما قبله في قوله (وأما بنعمة) حيث اختلفت الآراء في المقصود بالنعمة وبناء على ذلك تظهر دلالة الأمر
أ‌.       المقصود بالنعمة وما معنى التحَدُّث بها.
إن المراد من النعمة االقرآن , قال مجاهد : تلك النعمة هي القرآن ، فإن القرآن أعظم ما أنعم الله به على محمد عليه السلام ، والتحديث به أن يقرأه ويقرئ غيره ويبين حقائقه لهم, و روي أيضا عن مجاهد : أن تلك النعمة هي النبوة ، أي بلغ ما أنزل إليك من ربك"[32] .
ويقول صاحب محاسن التأويل : ولكن سياق الآيات يدل على أن هذه الآية مقابلة لقوله:(وَوَجَدَكَ عائِلًا) فتكون النعمة بمعنى الغنى" انتهى "[33].
يقول ابن عاشور : "إن الإغناء نعمة فأمره الله أن يظهر نعمة الله عليه بالحديث عنها وإعلان شكرها , وليس المراد بنعمة ربك نعمة خاصة وإنما أريد الجنس فيفيد عموماً في المقام الخطابي ، أي حدث ما أنعم الله به عليك من النعم ، فحصل في ذلك الأمر شكر نِعمة الإِغناء ، وحصل الأمر بشكر جميع النعم لتكون الجملة تذييلاً جامعاً "[34].
ويؤيد ذلك ما قاله السعدي رحمه الله : "(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) : وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية ؛ أي : أثن على الله بها ، وخُصها بالذكر ، إن كان هناك مصلحة ، وإلا ؛ فحدث بنعم الله على الإطلاق ، فإن التحدث بنعمة الله داع لشكرها ، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها ؛ فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن" انتهى "[35].
والذي أميل إليه قول السعدي وغيره في أن المراد كل نعمة أنعمها الله تعالى على نبيه سواء كانت القرآن أم الرسالة والنبوة وغيرها ,
وتقول القاعدة الفقهية : " الاسم المفرد إذا أضيف؛ فإنه يفيد العموم وبهذا قطع الموفق في: "الروضة"، وجزم به ابن القيم في: "إعلام الموقعين"، ومثاله: قوله سبحانه: {وأما بنعمة ربك فحدث} ؛ حيث أضيفت النعمة وهي مفرد فتعم جميع النعم الدنيوية والدينية[36].
يقول ابن عاشور"والتحديث : الإِخبار ، أي أخْبِر بما أنعم الله عليك اعترافاً بفضله ، وذلك من الشكر ، والقول في تقديم المجرور وهو { بنعمة ربك } على متعلَّقه كالقول في تقديم { فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر }, والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فمقتضى الأمر في المواضع الثلاثة أن تكون خاصة به ، وأصل الأمر الوجوب ، فيعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واجب عليه ما أمر به"[37].
يقول الشيخ محمد عبده :" قوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أي : إنك لما عرفت بنفسك ما يكون فيه الفقير، فأوسع في البذل على الفقراء. وليس القصد هو مجرد ذكر الثروة ، فإن هذا من الفخفخة التي يتنزه عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم. ولم يعرف عنه في امتثال هذا الأمر أنه كان يذكر ما عنده من نقود وعروض. ولكن الذي عرف عنه أنه كان ينفق ما عنده ويبيت طاويا"[38].
بناء على ما سبق تكون دلالة الأمر للوجوب في حق النبي صلى الله عليه وسلم  , أي أن الله تعالى أوجب على نبيه صلى الله عليه وسلم التحدث بنعمة الرسالة والنبوة والقرآن وتبليغها للناس وإلا لما تحقق المقصود من رسالته, وأما النعم الدنيوية فقد سلم الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يتحدث بها افتخارا ورياء , ويكون التحدُّث بالنعمة داع لشكر الله تعالى عليها وذلك بالإنفاق والبذل .
ب‌.    هل خطاب النبي صلى الله عليه وسلم  في الآية يشمل الأمة ؟
قال القرطبي : الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والحكم عام له ولغيره . قال عياض في «الشفاء» : «وهذا خاص له عام لأمته»[39] .
ويقول ابن عاشور كذلك : " وأصل الأمر الوجوب ، فيعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واجب عليه ما أمر به ، وأما مخاطبة أمته بذلك فتجري على أصل مساواة الأمة لنبيها فيما فرض عليه ما لم يدلّ دليل على الخصوصية ، فأما مساواة الأمة له في منع قهر اليتيم ونهر السائل فدلائله كثيرة مع ما يقتضيه أصل المساواة"[40].
ت‌.    إذا كان الأمر يشمل عامة أمة النبي صلى الله عليه وسلم فهل الأمر في حقهم كما في حقه للوجوب؟ أم الندب؟ أم الإباحة؟
يقول الآرموي: "شكر المنعم واجب شرعا عندنا , وأما وجوبه شرعًا فمتفق عليه. والمراد يكون الشكر واجبًا عقلاً: هو أنه يجب على المكلف تجنب المستقبحات العقلية، وفعل المستحسنات العقلية، هذا ما ذكره بعض أصحابنا نقلاً عنهم، ولا يبعد أن يراد به ما نريد نحن به في الشرع.
وهو: إن الشكر يكون بالاعتقاد: وهو بأن يعتقد أن ما به من النعم الظاهرة والباطنة كله من الله تعالى، وأنه المتفضل بذلك عليه فإن نعمة الخلق والحياة والصحة غير مستحق عليه وفاقًا, ويكون بالفعل: وهو بأن يمتثل أوامره وينتهي عن مناهيه, ويكون بالقول: وهو أن يتحدث بما به من النعم وأنه تعالى هو المسدي بذلك إليه"[41].
وجاء في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد المالكي: الحمد والشكر واجبان، وحكم الحمد الوجوب في العمر مرة بقصد أداء الواجب كالنطق بالشهادتين، ولو في حق المسلم الأصلي، وما زاد على المرة فمستحب ,وقال الخرشي المالكي: والظاهر مساواة الشكر للحمد في الوجوب[42].
وقال صاحب بحار الأنوار: إن شكر المنعم واجب لاتفاق العقلاء على ذلك، إذ إن العقلاء اتفقوا على مدح الشاكر وذم التارك لذلك، وما يؤيد هذا القول أمير المؤمنين عليه السلام: «لَوْ لَمْ يَتَواعَدِ اللهُ عِبادَهُ عَلى مَعْصِيَتِهِ، لَكانَ الواجِبَ ألاّ يُعْصى شُكراً لِنِعَمِهِ»[43]".
وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم شكر النعم بالكفر حيث قال : " وقوله عليه السلام: "التحدث بالنعم شكر" أخرجه الإمام أحمد عن النعمان بن بشير قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب"[44].
ويؤكد أن دلالة الأمر هنا للوجوب وليس للندب أن الله تعالى عذّب الأمم السابقة التي لم تشكر النعم فانظرماذا حل بالأمم السابقة التي كفرت بنعم الله عليها:
بني إسرائيل: فإن الله سبحانه أخبرنا عن الأمم السابقة التي كفرت بنعم الله عليها ماذا حل بها؟ قال تعالى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) يذكرهم بنعمته عليهم، (اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) فضلهم بإرسال الرسل وإنزال التوراة والإنجيل عليهم هذه نعمة عظيمة فلما كفروها وغيروا غير الله عليهم: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، فإذا غير الناس النعم بكفرها وعدم شكرها غير الله عليهم وسلبهم هذه النعم.
وقد استبعد العلماء أن الأمر هنا يفيد الإباحة , وذلك لأن الإباحة لا يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها , والأمر هنا مختلف إذ أن الله رتب نتيجة على شكر النعم فقال تعالى (لإن شكرتم لأزيدنكم).
كيف يكون شكر النعم ؟
قال الشوكاني : قال حسن، فدل هذا على أن إظهار النعمة من محبوبات المنعم، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} [الضحى: 11] فإن الأمر منه جل جلاله إذا لم يكن للوجوب كان للندب، وكلا القسمين مما يحبه الله فمن أنعم الله عليه بنعمة من نعمه الظاهرة أو الباطنة فليبالغ في إظهارها بكل ممكن ما لم يصحب ذلك الإظهار رياء أو عجب أو مكاثرة للغير، وليس من الزهد والتواضع أن يكون الرجل وسخ الثياب شعث الشعر، فقد أخرج أبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله قال: «` أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال: أما كان هذا يجد ما يسكن شعره، ورأى رجلا آخر عليه ثياب وسخة، فقال: أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه»والحاصل أن الله جميل يحب الجمال، فمن زعم أن رضاه في لبس الخلقان والمرقعات وما أفرط في الغلظ من الثياب فقد خالف ما أرشد إليه الكتاب والسنة[45].
قال ابن القيم: شكر النعم هو تلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة إليها وأن وصولها إليه بغير استحقاق منه ولا بذل ثمن بل يرى نفسه فيها كالطفيلي فإن هذا شاهد بقبولها حقيقة قوله ثم الثناء بها الثناء على المنعم المتعلق بالنعمة نوعان عام وخاص فالعام وصفه بالجود والكرم والبر والإحسان وسعة العطاء ونحو ذلك والخاص التحدث نعمته والإخبار بوصولها إليه من جهته كما قال تعالى : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) [46].
وقال المناوي رحمه الله ، في شرحه لحديث ( .. والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ) :
" هذا الخبر موضعه ما لم يترتب على التحدث بها ضرر كحسد ، وإلا فالكتمان أولى "[47].
يقو الشيخ ابن باز : الآية على ظاهرها، الله أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يتحدث بنعم الله -جل وعلا-، وهذا من الشكر، لأن التحدث بالنعم من شكر الله -سبحانه وتعالى-، فالنعمة شكرها يكون بأمور ثلاثة: الاعتراف بها باطناً، وأنها من الله، ومن فضله -سبحانه وتعالى-، والتحدث بها ظاهراً بلسانه، والأمر الثالث: صرفها فيما مرضاة المنعم بها -سبحانه وتعالى-، والاستعانة بها على طاعة الله جل وعلا-: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ سورة الضحى (9) (10) (11)]. هذا خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا كل مسلم وكل مسلمة، عليهما التحدث بنعم الله نشكر الله على ذلك، الله أنعم علينا بنعم كثيرة، نحمده على هذا نشكره على هذا، يتحدث بنعم الله، نعمة السمع البصر الصحة المال الولد الزوجة الزوج يتحدث بنعم الله ويشكره سبحانه يشكره على ذلك، بطاعته وترك معصيته[48].
والذي أميل إليه أن التحدث بالنعم في حق أمة النبي صلى الله عليه وسلم مندوب وهذا ما مال إليه الشوكاني وذلك  يكون بإظهارها من غير تكبر أو عجب , فإن خاف المسلم على نفسه الحسد بإظهارها فالأولى به الستر, وأما شكر الله تعالى عليها  بالاعتراف بها باطناً، وأنها من الله، ومن فضله -سبحانه وتعالى-، ، وصرفها فيما مرضاة المنعم بها -سبحانه وتعالى-، والاستعانة بها على طاعة الله جل وعلا بطاعته وعدم معصيته فذلك واجب في حق الأمة والله تعالى أعلم.
وإن أردت التفصيل أكثر في دلالة الأمر في حق أمة النبي صلى الله عليه وسلم فأقول
إن معنى التحدث يدور بين معنيين أما أحدهما فهو الحديث بها أمام الناس , وأما الآخر فهو شكر الله تعالى عليها والمعنى الثاني غير مختلف على وجوبه أما الأول –وهو الحديث بها أمام الناس- فيدور ما بين الأحكام الشرعية الأربعة.
فيكون واجبا إذا أراد الشخص من كتمانه النعمة حرمان الفقراء من الصدقة والزكاة بذلك يكون قد ارتكب حراما
ويكون مندوبا في حال سلم من الحسد والكبر وأعطى حق الله تعالى في أمواله  لكي يحث أمثاله على البذل كما كان يحصل بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويكون مكروها إذا خاف على نفسه الحسد أو كان في نفسه نزعة كبر عند التحدث أمام الناس فالأولى به حينها الستر والكتمان
ويكون حراما كما أسلفنا إذا أراد بستر نعم الله عليه حرمان الفقراء من حقهم في الزكاة والصدقة فهو بذلك ارتكب مخالفة شرعية ويدخل في ذلك أنه بكتمانه نعم الله عليه كان كم أنكر نعم الله تعالى فهذا هو الجاحد للنعمة فيقع تحت كفران النعم المنهي عنه  والله أعلم.



الخلاصة
الحمد لله حمدا حمدا والصلاة والسلام على نبيه سلاما سرمدا , أحمد الله أن أعانني على الانتهاء من بحثي وأرجو أن أكون قد وُفّقتُ فيه إلى الصواب , فما كان فيه من توفيق فمن الله تعالى وما كان به من نقص فمني .
أما بعد فقد تبين لي بعد البحث بأن مفهوم الدلالة يتمحور حول علاقة اللفظ بالمعنى  وأن من أسس لهذا العلم هو محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله , وأن مفهوم الأمر متقارب ما بين اللغويين والأصوليين إذ أنه لا يخرج عن كونه طلبا ولكن أن التعريف اللغوي للأمر أعم من الاصطلاحي، لأن اللغوي يشمل الطلب وغيره من الأقوال والأفعال، أما الاصطلاحي فيدور حول الطلب فقط , وللأمر أنواع حسب مرتبة الآمر هل هو من الأعلى أم من الأدنى وكل له حالته , أما صيغ الأمر  فكثيرة ولكن من أهمها صيغة ( افعل)و صيغة (اسم الفعل) و (المضارع المقرون بلام الأمر) و(الجملة الخبرية الدالة على الطلب) وغيرها , أما فيما يتعلق بدلالة الأمر المطلق فهي الوجوب إلا أن تأتي قرينة تصرفه عن الوجوب إلى غيره من المعاني كالندب والإباحة والتخيير و التعجيز والتوبيخ وغيرها .
وتبين لي بعد البحث في سورة الضحى أنها تحتوي على أمر واحد وهو في قوله تعالى ( وأما بنعمة ربك فحدّث) حيث استخدم الله تعالى الفعل ( فحدّث) من الأصل رباعي (حدّث) وكان موجها من الأعلى للأدنى أي من الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ,
ولأن الأمر مرتبط بالتحدث عن النعمة وجب التعريف بالمقصود بالنعمة وبمعنى التحدث بها , فكان معناها يشمل كل نعمة أنعمها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم دينية كانت  –كالقرآن والرسالة-  أو دنيوية – كالأولاد والمال وغيرها - ومعنى التحدث بها أي إظهارها وشكر الله تعالى عليها والتصدق بها من غير عجب أو رياء فكانت دلالة الأمر في حق النبي صلى الله عليه وسلم للوجوب , وأما اشتمال الأمر للعامة الأمة فقد تبين كذلك أن الخطاب للنبي يشمل عامة أمته إلا أن يأتي دليل تخصيص على النبي صلى الله عليه وسلم وحده , ولكن دلالة الأمر في حق ألأمة فيه بعض التفصيل فالذي أميل إليه أن التحدث بالنعم في حق أمة النبي صلى الله عليه وسلم مندوب وهذا ما مال إليه الشوكاني, وذلك  يكون بإظهارها من غير تكبر أو عجب , فإن خاف المسلم على نفسه الحسد بإظهارها فالأولى به الستر, وأما شكر الله تعالى عليها  بالاعتراف بها باطناً، وأنها من الله، ومن فضله -سبحانه وتعالى-، ، وصرفها فيما مرضاة المنعم بها -سبحانه وتعالى-، والاستعانة بها على طاعة الله جل وعلا بطاعته وعدم معصيته فذلك واجب في حق الأمة والله تعالى أعلم.




فهرس المحتويات
العنوان
الصفحة
المقدمة
1
الدلالة: التأسيس و المفهوم
4
تعريف الأمر
6
أنواع الأمر 
10
صيغ الأمر
11
بعض المعاني التي يتضمنها الأمر ( دلالة الأمر )
13
التطبيق على سورة الضحى  (نوع الأمر وصيغته)
16
المقصود بالنعمة وما معنى التحَدُّث بها.
17
هل خطاب النبي صلى الله عليه وسلم  في الآية يشمل الأمة ؟
18
فهل الأمر في حق الأمة للوجوب أم الندب أم الإباحة
18
كيف يكون شكر النعم ؟
19
الخلاصة
21
الفهرس
22






[1] المحصول في علم أصول الفقه، للإمام فخر الدين الرازي، ج 1، ص 21.
[2] أخذًا من مقال بعنوان: دلالة الألفاظ على المعاني والأحكام، للكاتب: شبل السنة المغربي. المصدر:
ومقال بعنوان: التأسيس في الفكر العربي، لمحمد ،http://www.d-alsona.com/vb/archive/index.php/t-4631.html
82 ، و: - الهادي عياد، المصدر: التراث العربي- مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب- دمشق العدد 8 وبحث الطالب : عزت كامل مصطفى الجعفري بعنوان الأمر والنهي عند الأصوليين , بتصرف
[3] مجموع الفتاوى, ابن تيمية , (7/115).
[4] التأسيس في الفكر العربي، محمد الهادي عياد، المصدر: التراث العربي- مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب- دمشق
82 ، العدد 81 - باختصار.
[5] مجمل اللغة لابن فارس (ص: 103).
[6] تيسير أصول الفقه للمبتدئين, المؤلف: محمد حسن عبد الغفار( 2/2).
[7] شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، تأليف: علي بن محمد الأشموني، المكتبة الأزهرية، ج 1، ص 39.
[8] شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبي، مج 3، ص 7.
[9] المرجع السابق ، مج 3، ص 7 و 8.
[10] لسان العرب لابن منظور، ج 4، ص. 31.
[11] شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، تأليف: عبدالله بن يوسف بن عبدالله بن يوسف بن أحمد بن عبدالله بن هشام ، ص27.
[12] المستصفى من علم الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي ج 2، ص 61 , المحصول للرازي، ج 2، ص 16.
[13] أصول الفقه، تأليف: الإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي ج 1، ص. 11.
[14] الإحكام في أصول الأحكام، تأليف: علي بن محمد الآمدي أبو الحسن، دار الفكر، ج 2، ص 8 و 9.
[15] حاشية التفتازاني على مختصر ابن الحاجب، ص. 77
[16]: تيسير أصول الفقه للمبتدئين, محمد حسن عبد الغفار2/3.
[17] الشرح المختصر على نظم الآجرومية , أبو عبد الله الحازمي 5/16.
[18] شرح الشيخ أحمد بن قاسم العبادي الشافعي على شرح جلال الدين المحلي على الورقات الثلاث لإمام الحرمين عبدالملك
الجويني. انظر هامش إرشاد الفحول للشوكاني، ص . 80
[19] البحر المحيط للزركشي، ج 2، ص 356.
[20] أصول السرخسي، ج 1، ص. 11.
[21] إرشاد الفحول للشوكاني، ص 80.
[22] المرجع السابق نفس الجزء والصفحة.
[23] المستصفى للغزالي، ج 2، ص. 66.
[24] المحصول للرازي، ج 2، ص 34.
[25] الموافقات في أصول الأحكام للشاطبي، مج 2، ج 3، ص 92 و. 93.
[26] البحر المحيط للزركشي، ج 2، ص 356.
[27] أصول السرخسي،ج 1، ص 14 . الإحكام للآمدي، ج 2، ص 66 و 67 . الإبهاج لابن السبكي، ص 17 إلى. 22
[28] البحر المحيط،للزركشي  ص. 358.
[29] انظر شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي، ص 17 إلى 38.
[30] المرجع السابق بنفس الجزء والصفحة.
[31] المصدر : (موقع الشيخ الدكتور مبارك المصري النظيف موضوع: الأمر: تعريفه، صيغه، دلالته ,  الخميس 17 يناير 2013)
[32] التفسير الكبير, فخر الدين الرازي (مسألة: ( وأما بنعمة ربك فحدث ), ص: 200.
[33] محاسن التأويل" (9/493).
[34] التحرير والتنوير , ابن عاشور ( 30/401)
[35] تفسير السعدي " (ص 928)
[36] رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (1/ 14)
[37] التحرير والتنوير , ابن عاشور ( 30/404)
[38] ينظر : "تفسير جزء عم" للشيخ محمد عبده (112).
[39] تفسير القرطبي ص596.
[40] التحرير والتنوير , ابن عاشور ( 30/404).
[41] نهاية الوصول في دراية الأصول,صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأرموي الهندي(2/735).
[42] الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني, أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي.
[43] بحار الأنوار: ج78، ص69.
[44] انظر: المسند حديث النعمان ابن بشير ج (6/ 278).
[45] نيل الأوطار (8/ 258)
[46] الـــــــــــــــــروح ( ص: 247 )
[47] "فيض القدير" (3/369) .
[48] الموقع الرسمي لسماحة الإمام ابن باز https://www.binbaz.org.sa/noor/84

تعليقات