دور القرائن الحدیثة في الإثبات في الشریعة الإسلامیة (البصمة الوراثية نموذجا)

دور القرائن الحدیثة في الإثبات في الشریعة الإسلامیة
(البصمة الوراثية نموذجا)




إعداد الطالب: أ. معتز  السرطاوي





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
 أما بعد في ظل التطور التكنولوجي في اجهزة الاتصال والتواصل وما لذلك من اثر في الأحكام الشرعية , ولأن الشريعة الاسلامية صالحة لكل زمان ومكان , فقد توجب علينا استنباط الأحكام الشرعية التي تتناسب وتغيرات العصر , لذلك رأيت أن أتناول موضوع (دور القرائن الحدیثة في الإثبات في الشریعة الإسلامیة (البصمة الوراثية نموذجا).

أهداف البحث:
1-     بيان الحكم الشرعي للإثبات بالقرائن
2-     تعريف البصمة الوراثية
3-     بيان مدى حجية الإثبات باستخدام البصمة الوراثية
4-     بيان الحالات التي تكون فيها البصمة الوراثية حجة ومتى لا تكون حجة
أهمية البحث:
1.قلة المصادر التي تكلمت عن الاثبات بالقرائن الحديثة(فيما أعلم), رغم أن كتب القضاء تكلمت عن القرائن بين طيات صفحاتها.
2.الدور العظيم الذي تلعبه القرائن في الإثبات الذي يكاد أن يضيع.
3.مساس الموضوع بشكل مباشر بواقع الناس وحياتهم فكان لا بد من بيان الحكم لهذا الأمر.
4. أحببت أن أُبرز التوافق الكبير ما بين الحقائق العلمية والشريعة الإسلامية لا سيما في الاكتشافات الحديثة المبتكرة.

الفصل الأول: في حقيقة القرينة و أركانها وحجية القضاء بها في الشريعة الإسلامية
المبحث الأول:حقيقة القرينة وأركانها وأقسامها وشروطها



المطلب الأول: التعريف بالقرينة:
أولا : تعريف القرينة لغة : القرينة لغة : مؤنث القرين ، وهي مأخوذة من المقارنة والمصاحبة وتأتي بمعنى الزوجة والنفس وقرينة الكلام ما يصاحبه ويدل عليه[1].
ويقال قَرن الشيء بالشيء أي اتصل به، قال تعالى:( قال قائل منهم إني كان لي قرين)[2] ومنه قوله تعالى : (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا)[3] أي مكتفين ومصفدين بعضهم إلى بعض[4], ويقال قَرن بين الحج والعمرة قراناً أي أتى بهما بنية واحدة وبعمل واحد[5]
وعليه فإن المعنى اللغوي للقرينة يدور حول المصاحبة والملازمة
ثانيا : لم يفرد أي عالم من العلماء القدامى تعريفاً بعينه للقري نة، ولم يفرد أح د منهم باباً مستقلاً لها يتناول فيه معناها ودلالاته؛ وإنما جاء ذلك في ثنايا ما كتبوه وربما يعود سبب ذلك إلى أنهم يعتبرونها أمراً واضحاً غنياً عن الإفراد، ورغم ذلك تجدنا نلحظ أن بعض العلماء قد تعرض للقرينة في ثنايا المسائل وإن كان هذا البعض قليلاً.
ومن هذه التعريفات ما يلي:
التعريف الأول: للجرجاني: " هي أمر يشير إلى المطلوب"[6]
شرح التعريف: لفظ (أمر) جنس في التعريف يشمل كل أمر.
(يشير): الإشارة لغة: هي التلويح والإيماء إلى شيء ما، وتكون بأي شيء يدل على الإيماء كالعين والحاجب واليد وسوى ذلك إذ ا كانت التعدية بحرف " الباء "، أما إذا كانت التعدية بحرف "على" كان المراد من الإشارة إبداء الرأي[7].
(المطلوب): هو الشيء المقصود


التعريف الثاني: التهانوي: " الأمر الدال على الشيء من غير استعمال فيه"[8].
وهذا التعريف يلتقي مع سابقه في أ ن كلاً منهما فيه معنى الدلالة على المطلوب أوالشيء كما في التعريف الثاني، ولكنهما يفترقان في أن التعريف الثاني فيه قيد تُستبعد معه القرائن التي يحكم بموجبها على الممارسة المادية للجريمة وهي قوله : "من غير استعمال فيه".
أما تعريفات المعاصرين للقرينة فهي كثيرة منها:
1-عرفها العلامة مصطفى الزرقا بقوله : " القرينة كل أَمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً فتدل عليه[9].
2- وعرفها الزحيلي بقوله: "القرائن هي أمارات معلومة تدل على أمور مجهولة[10].
3- وفي الموسوعة الفقهية الكويتية القرينة "ما يدل على المراد من غير كونه صريحاً[11].



المطلب الثاني: أقسام القرينة في الشريعة الإسلامية
تقسم القرينة في الشريعة بعدة اعتبارات منها:
الفرع الأول: من حيث قوتها وقيمتها في الإثبات:
يقسم الفقه الإسلامي القرائن من حيث قوتها وقيمتها في الإثبات إلى قرائن قوية أو قاطعة، وإلى قرائن غير قاطعة.
1-القرينة القوية أو القاطعة: هي الأمارة البالغة حد اليقين، أو الأمارة الواضحة التي تجعل الأمر في حيزالمقطوع به[12] , ومثالها من القر آن الكريم قوله تعالى : (قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين , وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين)[13].
ومثالها من السنة النبوية : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الزبير رضي الله عنه أن يقرر عن حيي بن أخطب اليهودي بالعذاب  على إخراجه المالَ الذي غيبه واد عى نفاده وقال له: العهد قريب والمال أكثر من ذلك فهاتان القرينتان في غاية القوة (كثرة المال، وقصر المدة التي لا يحتمل إنفاق المال كله فيها)[14].
2- القرائن الضعيفة أو غير القاطعة.
وهى التي تدل على الشيء دلالة ظنية أو مرجوحة [15], وهذه لا تُعتبر مطلقا؛ لأنها
مخالفة لأصل الحكم القائم على اليقين ، فلذا تستبعد في مجال القضاء، كاليد إذا قارنتها قرينة أقوى منها في حالة من يحمل عم امةً وعلى رأسه عمامة، وآخر يعدو وراءه حاسر  الرأس ولا عادة له في ذلك، فَتُقدم هذه القرينة على يد الخاطف، وكذلك اليد مع الشهادة تصبح ضعيفة ، وكذلك النكول مع الشهاد [16].




الفرع الثاني: من حيث مصدرها:
وتنقسم القرائن من حيث مصدرها إلى ثلاثة أنواع:-
1-   قرائن نصية شرعية : وهي ما نص عليها الشارع أو استنبطها أئمة الشريعة باجتهادهم ، وصار شرعا اجتهادياً يفتي به المفتون ويحكم به القضاة المقلدون لذلك المجتهد[17] ومثاله من القرآن : قوله تعالى : (قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين , وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين), إذ جعل سبحانه شق الثوب قرينة على المباشرة[18]. ومن السنة: جعل الشرع الفراش أمارة وقرينة على نسبة الولد إلى الزوج ، ومثله الشبه في القافة[19] , وهذه القرائن النصية يجب الحكم بموجبها وتطبيق الحكم الشرعي الثابت به ا، دون النظر إلى أساس الحكم أو باعث تشريعه، وكذلك لا يجوز إثبات عكسه إلا بالطرق التي حددها المشرع، فقرينة الولد للفراش مثلاً لا يمكن إثبات عكسها إلا عن طريق الملاعنة[20]
2-   قرائن فقهية: وهى ال قرائن التي استنبطها الفقهاء وجعلوها أدلة على أمور أخرى، ودونوها في كتب الفقه ؛ ومثاله: بطلان بيع المريض مرض الموت لوارثه إلا بإجازة الو رثة، وكذا بيعه لغير الوارث فانه يبطل فيما زاد على الثلث لأ ن هذه التصرفات قرينة على إرادة الإ ضرارلباقي الورثة أوجميعهم[21] ومثل هذه القرائن إذا أُثبَتتَ عند القاضي يلزم ه الحكم بموجبها لأنها تُوجِد علماً كافيا بالواقعة؛ إلا أنه يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات[22].
3-   القرائن القضائية: وهى القرائن التي يستنبطها القضاة بحكم ممارسة القضاء  ومعرفة الأحكام الشرعية التي تجعل عنده ملكة يستطيعون بها الاستدلال،وإقامة القرائن في القضايا ومواضع الخلاف[23]



ومثالها: ما إذا شهد شاهدان في الصحو؛ في المصر الكبير على هلال رمضان ولم يره غيرهما؛ قال مالك رحمه الله :هما شاهدا سوء لأن ذلك قرينة ظاهرة على كذبهما[24] .
 وهذا النوع من القرائن تجب فيه الحيطة والحذر ، وعدم التعويل عليها إلا ضمن القواعد والضوابط المقبولة وربما أن تتغير القرائن القضائية بتغير الظروف المحيطة بها.

المطلب الثالث: أركان القرينة وشروطها
أولا: الركن المادي:
يتمثل الركن الم ادي للقرينة في الواقعة الثابتة، أو الأمارة المعلومة التي تتخذ أساساً
لاستنباط الواقعة المجهولة ، وهذ ه الواقعة يجب أن تَثبت ثبوتاً قطعياً حتى يكون الاستنباط المبني عليها سليما [25]، ويشترط أن تكون الواقعة المعلومة التي تم اختيارها بمعرفة القاضي وسلطته أثناء نظر الدعوى ؛ لها من الدلالة ما يعين في كشف الواقعة المجهولة التي يجري البحث عنها. وعلى ذلك فإن افتقار هذه الصفة اللازمة – خلو الواقعة من الدلالة – يجعل منها واقعة عادية لا يصلح الاستناد إليها باعتبارها ركناً مادياً للقرينة[26].
ثانيا: الركن المعنوي:

اشتمل التعر يف السابق للقرينة على مصاحبة أمر خفي يستدل عليه من الأمرالظاهر، وهذا الاستدلال هو بمثابة الركن المعنوي الذي يأخذ به القاضي. فالقاضي في استنباطه للواقعة المجهولة من الواقعة المعلومة والثابتة ؛ يأخذ بفكرة ما هو راجح و غالب الوقوع[27].







المبحث الثاني:حجية القضاء بالقرائن في الشريعة الإسلامية
المطلب الأول: مشروعية القضاء بالقرائن



إن المتتبع لكتب أئمة فقهاء المذاهب الإسلامية يرى أ نهم لم يذكروا القرائن صراحة
في باب البينات ، فقد اقتصروا على الشهادة والإقرار واليمين والنكول عنه، ولم يخصوها ببحث أو عنوان مستقل ومع ذلك فإنه يجد أنهم استندوا إليها في كثير من الأحكام . وهذا الموقف من جا نب العلماء كان مبعث الخلاف بين متأخري هذه المذاهب في مدى جواز الإثبات بالقرائن والحكم بمقتضاها بين مؤيد ومعارض وانقسموا بذلك إلى فريقين:-
الفريق الأول : المالكية والحنابلة وبعض الحنفية وبعض الشافعية [28]، وقد أجازوا
العمل بالقرائن.
الفريق الثاني : وابن نجيم وصاحب تكملة المحتار على الدر المختار من الأحناف
وقد منعوا العمل بالقرائن[29].
الأدلة:
أولا: أدلة المجوزين
1-من الكتاب قوله تعالى : (وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)[30]
وجه الدلالة: دّلت هذه الآية على أن إخوة يوسف لما أتوا بقميص يوسف إلى أبيهم يعقوب تأمله فلم ير خرقا ، ولا أثرا لناب، فاستدل بذلك على كذبهم، وقال لهم : متى كان الذئب حليماً يأكل يوسف ولا يخرِق قميصه[31]
2-من السنة: روى أبو داوود عن جابر بن عبد الله قال : (أَردت السفر إلى خيبر فأتيت النبي فقلت له : إني أريد الخروج إلى خيبر فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقَاً، فإذا طلب منك آية فضع يدك على تَرقُوته[32].
وجه الدلالة: أن وضع اليد على الَترقوة قرينة وأمارة، والرسول اعتمد عليها في الدفع[33].
3- الإجماع:- إن الصحابة الكرام عملوا بالقرائن، وخاصة في الحدود؛ ومن ذلك ما حكم به عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وعثمان بن عفان ولا يعرف لهم مخالف[34]
4- المعقول:- استدل المجوزون بما ذكره ابن القيم حيث قال :(إن عدم الأخذ بالقرائن واعتبارهوسيلة من وسائل الإثبات في الفقه والقضاء، يؤدى إلى إضاعة كثير من الحقوق ، و إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقا كثيراً وأقام باطلا كبيرا  وحكم بما يعلم الناس  بطلانه ولا يشكُّون فيه، لأنه وقف مع مجرد ظواهر البينات ولم يلتفت إلى بواطن الأمور وقرائن الأحوال[35].
ثانيا: أدلة المانعين.
أولا: السنة:- استدلوا بما رواه البخاري أن ابن عباس ذكر المتلاعنين، فقال عبد الله بن شداد هي التي قال رسول الله لو كنت راجماً امرأةً من غير بينة؟ قال : لا، تلك امرأة أَعلَنت[36].
وجه الدلالة: أن العمل بالقرائن لو كان مشروعا لرجم رسول الله هذه المرأة بعد ظهور قرائن الفاحشة من جانبها [37]
واعتُرِض على الاستدلال بأنا لا نُسلِّم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحكم على المر أة لعدم جواز العمل بالقرينة، بل لم يحكم عليها لأن القرائن فيها شبهة والحدود تُدرأ بالشبهات[38].
ثانيا: من جهة أن القرائن ليست مطَّردة الدلائل ولا منضبطة؛ وكثيرا ما تبدو قوية دالة على الأمر ثم يعتريها الضعف الشديد، فتنزل دلالتها إلى التوهم والبعد عن الواقع.
وذكروا لذلك مثالا من أقضية الإمام على ملخصه أن  عليا رضي الله عنه أُتى برجل وجد في خربة وبيده سكين يقطر دما، وبين يديه رجل يتشحط في دمه، فسأله : فأقر واعترف فأمر بإقامة حد القتل عليه؛ فلما ذهبوا به أقبل رجلٌ مسرعاً وقال لعلي: أنا القاتل يا أمير المؤمنين؛ فقال علي للأول: ما حملك على ما صنعت ؟ - يعنى من الإقرار – فأوعز الرجل بأنه لو أنكر لما صدقَ؛ لدلالة الحال، والآخر اعترف خشية أن يقَتل الرجل ظلما فيكون قد قتل واحدا وتسبب في قتل واحد  بريء فتلزمه المسألة بين يدي الله تعالى باثنين بدلاً من واحد [39]
ويعترض عليه بأن القضاء بالقرائن يقتصر على القو ي منها، وطروء  الضعف عليها غير معتبر لأن العبرة بقوة القرينة وقت القضاء[40].
الرأي الراجح:-
بعد العرض السابق للأدلة يترجح لدي أدلة القول الأول ، القائلون بالعمل بالقرائن
لما يلي:-
1- قوة أدلتهم التي استندوا إليها.
2- إمكانية الرد على أدلة المانعين ، بل والاستدلال بأدلتهم وتوجيهها على جواز العمل بالقرائن.
3- إن المقصود من القضاء هو إظهار الحق ، وهذا يكون عن طريق البينات، والقرائن تُعتبر من البينات التي تبين الحق وتظهره.
4-القضاء بالقرائن يتفق وروح  الشريعة في إثبات الحق لصاحبه إن تبين ، وإلا وجب البحث عما يظهره ويجلِّيه.
5-إن القرائن القوية وسيلة من وسائل الإثبات ، لا يخلو منها كتاب من كتب الفقه، وحتى الذين يقولون بعدم اعتبار القرائن حجة في الإثبات؛ قد عملوا بموجبها وبنَوا أحكامهم مستندين إليها في مسائل كثيرة.
قال ابن القيم : (وأبعد الناس من الأخذ بذلك الشافعي رحمه الله تعالى ، مع أنه اعتبر قرائن الأحوال في أكثر من مائة موضع، وقد ذكرنا منها كثيرا في غير هذا الكتاب منها: جواز وطء الرجل المرأة ليلة الزفاف و إن لم يرها، ولم يشهد عدلان أنها امرأته بناء على القرائن... وغيرها[41].



المطلب الثاني: الحكمة من مشروعية القضاء بالقرائن
قد يظن بعض الناس أنه لا حاجة إلى اعتبار القرائن وسيلة من وسائل الإثبات، ما
دام يمكن أن تقوم مقامها وسائل الإثبات الأخرى كاليمين مثلا ، فان لم يستطع المدعي إثبات دعواه بالبينة ولم يقر المدعى عليه، تُوجه إ لى اليمين وتحسم القضية، ولنا أن نتصور عجزالمدعي عن إثبات دعواه ولم يقر المدعى عليه، والمدعي واثق من دعواه تمام الثقة، والمدعى عليه مصر  على باطله، بل ويتيه نشوة وطربا ويحلف الإيمان الكاذبة، فهل نتركه هكذا ؟ مع أننا نرى الدلائل والقرائن واضحة في إثبات حق المدعي فهل يضيع الحق بين غياب البينة والاجتراء على اليمين ؟؟.
وإن نظرة واحدة على تاريخ القضاة تدل على أنهم لا يدعون أمثال هؤلاء على بطلانهم، ويلجؤون إلى شتى الوسائل للإيقاع بهم والوصول إلى الحقيقة، إما عن طريق الاتهام أو التهديد أو الترغيب حتى يرد الحقُّ إلى صاحبه وهذا يؤكد ضرورة القضاء بالقرائن وفائدتها في الإثبات[42].






الفصل الثاني : (الإثبات عبر البصمة الجينية)
DNA" dioxyribo Nucleic Acid))





توطئة:
البصمة الوراثية أو الطبعة الوراثية أو بصمة الحمض النووي هي أحد وسائل التعرف على الشخص عن طريق مقارنة مقاطع من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين. وتعتبر البصمة الوراثية أهم تقدم للبشرية ضمن مجال البحث الجنائي من أجل محاربة الجريمة. إن كل ما يحتاج إليه المحققون لتحديد البصمة الوراثية هو العثور على دليل بشري في مكان الجريمة، مثل: قطرات العرق، السائل المنوي، الشعر، واللعاب. فكل ما يلمس المرء، ومهما بلغت بساطة اللمسة، سيترك أثراً لبصمة وراثية فريدة, لم تُعرَف البصمة الوراثية حتى كان عام 1984 حينما نشر د. "آليك جيفريز" عالم الوراثة بجامعة ليستر بإنجلترا بحثًا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات، وتعيد نفسها في تتابعات عشوائية غير مفهومة. وواصل أبحاثه حتى توصل بعد عام واحد إلى أن هذه التتابعات مميِّزة لكل فرد، ولا يمكن أن تتشابه بين اثنين إلا في حالات التوائم المتماثلة فقط؛ بل إن احتمال تشابه بصمتين وراثيتين بين شخص وآخر هو واحد في الترليون، مما يجعل التشابه مستحيلاً؛ لأن سكان الأرض لا يتعدون المليارات الستة، وسجل الدكتور «آليك» براءة اكتشافه عام 1985، وأطلق على هذه التتابعات اسم «البصمة الوراثية للإنسان» (أو بصمة الدنا للإنسان) (بالإنجليزية: The DNA Fingerprint)، وتُسمَّى في بعض الأحيان الطبعة الوراثية (بالإنجليزية: DNA typing أو DNA profiling).









كيفية الحصول على بصمة وراثية
تُستخرَج عينة حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين من نسيج الجسم أو سوائله (مثل الشعر، أو الدم، أو اللعاب).
تُقطَع العينة بواسطة إنزيم معين يمكنه قطع شريطي الحمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين طوليًّا؛ فيفصل قواعد «الأدينين A» و«الجوانين G» في ناحية، و«الثايمين T» و«السيتوزين C» في ناحية أخرى، ويُسمَّى هذا الإنزيم بالآلة الجينية، أو المقص الجيني.
تُرتَّب هذه المقاطع باستخدام طريقة تُسمَّى بالتفريغ الكهربائي، وتتكون بذلك حارات طولية من الجزء المنفصل عن الشريط تتوقف طولها على عدد المكررات.
تُعرَّض المقاطع إلى فيلم أشعة سينية، وتُطبَع عليه فتظهر على شكل خطوط داكنة اللون ومتوازية. ورغم أن جزيء الDNA صغير إلى درجة فائقة (حتى إنه لو جمع كل الDNA الذي تحتوي عليه أجساد سكان الأرض لما زاد وزنه عن 36 ملجم) فإن البصمة الوراثية تعتبر كبيرة نسبيًّا وواضحة.
ولم تتوقف أبحاث د.«آليك» على هذه التقنية؛ بل قام بدراسة على إحدى العائلات يختبر فيها توريث هذه البصمة، وتبين له أن الأبناء يحملون خطوطاً يجيء نصفها من الأم، والنصف الآخر من الأب، وهي مع بساطتها تختلف من شخص لآخر.
يكفي لاختبار البصمة الوراثية نقطة دم صغيرة؛ بل إن شعرة واحدة إذا سقطت من جسم الشخص المُرَاد، أو لعاب سال من فمه، أو أي شيء من لوازمه؛ فإن هذا كفيل بأن يوضح اختبار البصمة بوضوح كما تقول أبحاث د. «آليك». قد تمسح إذاً بصمة الأصابع بسهولة، ولكن بصمة الدنا يستحيل مسحها من ورائك، وبمجرد المصافحة قد تنقل الدنا الخاصة بك إلى يد مَن تصافحه.
ولو كانت العينة أصغر من المطلوب، فإنها تدخل اختباراً آخر، وهو تفاعل إنزيم البوليميريز (PCR)، والذي نستطيع من خلال تطبيقه مضاعفة كمية الدنا في أي عينة، ومما وصلت إليه هذه الأبحاث المتميزة أن البصمة الوراثية لا تتغير من مكان لآخر في جسم الإنسان؛ فهي ثابتة بغض النظر عن نوع النسيج؛ فالبصمة الوراثية التي في العين تجد مثيلاتها في الكبد والقلب والشعر.[43]



المطلب الأول: تعريف الحمض النووي.
في المؤتمر الذي عقدته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بعنوان: "مدى حُجِّية البصمة الوراثية في إثبات البنوة"؛ أكدت أوراق المؤتمر الذي شارك فيه عدد من أبرز العلماء والأطباء المتخصصين في هذا المجال أن كل إنسان يتفرد بنمط خاص في ترتيب جيناته ضمن كل خلية من خلايا جسده، ولا يشاركه فيها أي إنسان آخر في العالم، وهو ما يعرف بـ "البصمة الوراثية". وأكد أحد الباحثين أن هذه البصمة تتضمن البنية التفصيلية التي تدل على كل شخص بعينه، ولا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، فضلاً عن تعرّف الشخصية وإثباتها.[44]
وأيضا هو : " أصل كل العلامات الوراثية الموجودة بالجنين منذ بداية تشكله في رحم أمه  وهي المسؤولة عن لون البشرة وشكل البصمات وكذلك المسؤولة عن وظائف الخلايا، ولذلك إذا حصل أي خلل في الحامض النووي فإن ذلك ينعكس على الإنسان على شكل مرض أو عاهة[45].
والحامض النووي داخل نواة الخلية في صورة كروموزومات (الصبغيات) وهي عبارة عن مواد بروتينية التركيب إضافة إلى الحمض النووي ويعتبر من الأحماض لوجود مادة الفوسفات ضمن تركيبه الكيميائي لذلك يصنف كيميائيا كحمض ويتكون الحمض النووي من قواعد رئيسية[46] ويوجد الحمض النووي على شكل سلالم ملتفة حول بعضها البعض ومكونة من أربعة قواعد نيتروجينية وهي:
Adenine: أدنين
Guanine: جوانين
Cytosine: ساتيوزين
Thymine: ثايمين
ويتصل الأدنين دائما با لثايمين ويتصل الجوانين بالسايتوزين ثم يتصل كل واحد من هذه القواعد بسكر الرايبوز منزوع الأكسجين وترتبط جزيئات السكر مع بعضها البعض بواسطة مجموعات الفوسفات[47].
ولاستخلاص الحمض النووي طريقة خاصة تبدأ برفع العينة من مكان الحادث معملياً، ثم تنقى العينة من المواد المصاحبة كالمواد الصلبة وكريات الدم الحمراء، ويتم استخلاص نواة خلية كرة الدم البيضاء بواسطة الأنزيمات، وذلك من خلال تحليل غلاف الخلية وصولاً إلى الشريط الحلزوني المزدوج في صورة راسب أبيض هلامي هو" البصمة الجينية المرادة"[48]
المطلب الثاني:مميزات بصمة الحمض النووي.
الخلية الآدمية الواحدة تحتوي على ما يقارب 3.3 بليون زوج من القواعد النيتروجينية، وهي تمثل المادة الوراثية اللازمة للحياة، تحتوي الخلايا علي 99.5 من الأحماض الوراثية التي تكون متشابهة في جميع الأشخاص. وهذا ما يجعل الناس متشابهين في الأيد ي والأرجل، ومن هنا كانت ميزة الحمض النووي عن غيره، أنه يؤخذ من أي خلية من الجسم ويتم تحليلها ثم تدوين النتائج، بل يمكن عمل البصمة الجينية من أي مخلفات بشرية سائلة بشرط أن تحتوي على خلايا من جسم الإنسان مثل الدم واللعاب والمني، أو أنسجة مثل الجلد، والعظم، والشعر. حتى لو مضي على هذه المخلفات أربع سنوات، وتظهر بصمة الحمض النووي على هيئة خطوط عريضة يسهل قراءتها وحفظها وتخزينها في الكمبيوتر لمقارنتها حين الطلب"[49]
في مقال للدكتور محمد جبر الألفي على شبكة الألوكة بعنوان " البصمة الوراثية واستخداماتها[50]
يقول:
 أ- تظهر بصمة الجينات الوراثية على هيئة خطوط عريضة يسهل قراءتها وتخزينها لمدة طويلة؛ لأن الحمض النووي يقاوم عوامل التحلل والتعفن، ويسهل الحصول عليها من أي مخلفات بشرية جافة أو سائلة؛ كاللعاب، والشعر، والدم، والمني، والعظم. ولهذا، فإن استخدامها يتيح اكتشاف الجناة والضحايا، وتحديد هوية الحرقى والغرقى والمفقودين، والتمييز بين الذكر والأنثى، ولو طالت المدة.
ب- تكشف البصمة الوراثية عن الأمراض الوراثية التي تنتقل من السلف إلى الخلف، ويمكن - عن طريق الدمج أو التعديل - علاج هذه الأمراض في فترة مبكرة من عمر الإنسان.
جـ- نسبة النجاح في نتائج بصمة الجينات الوراثية عالية جدًّا، حدَّدها بعض الخبراء بنسبة: 99.9999% نظرًا لعدم تطابق اثنين من البشر في جميع الصفات الوراثية.
د- لضمان صحة نتائج البصمة الوراثية، وبالتالي الاعتماد عليها، يجب تشديد إجراءات الرقابة على الخبراء والمعامل، وتعدد أخذ العينات، مع تحليلها في مواقع مختلفة، وتوثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية، بدءًا من نقل العينات، وانتهاءً بظهور النتائج، والتأكد من أن هذه العينة ليست لتوائم متطابقة.


المطلب الثالث: مجالات العمل بالحمض النووي وأهميته.
إثبات البنوة والأبوة:
تعتبر وسيلة إثبات البنوة عبر الحمض النووي من أثبت الطرق العلمية إلى الآن، وتخالف بصمة الحمض النووي في هذا المجال طريقة تحليل الدم _آتية الذكر _ بأن طريقة التحليل للدم هي دلالة نفي أكثر منها دلالة إثبات أما الحمض النووي فإنه يعتبر وسيلة نفي وإثبات بمعدل
 ( 100 %) مائة في المائة، ذلك أنه من المعروف أن أي طفل يستمد تركيبه الوراثي من أبويه مناصفة، كما أن أبويه مصدر وراثي لأخوته[51]
إثبات درجة القرابة في الأسرة:
تُستعمل البصمة الجينية أيضاً في الإثبات أو النفي في حالات ادعاء القرابة وذلك لو ادعى شخص بقرابته بشخص ميت بغرض الإرث ، فإذا أمكن الحصول على عينة من جثمان الشخص المتوفى، يمكن إثبات صحة الادعاء أو كذبه. ويكفي لأخذ البصمة جزء يسير من أي مادة متوفرة من الميت؛ مثل شعرة، أو جذر شعرة واحدة يكفي لهذا الغرض، أو قطرة دم واحدة ولو كانت صغيرة[52]
المجال الجنائي وأمثلة ذلك
1 قضايا المفقودين (أطفال مفقودون، جثث مجهولة الهوية، سقوط طائرات، زلزال).
2 قضايا إثبات صلة الرحم، قضايا الهجرة إذا ادعى أحد نسب فلان ليدخله الحدود معه بحجة أنه قريبه.
3 ربط عدة قضايا مع بعضها.
4 إعادة فتح قضايا مجهولة.
5 تطبيقات في المجالات الطبية (الأمراض الوراثية، أمراض الإيدز ) كما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن هناك تحولات ع ارضة قد تطرأ على المادة الجينية، التي يمكن أن تؤثر على صلاحيتها لإجراء الاختبار عليها.
6 حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، وكذلك في أطفال الأنابيب.
7 في حالات نفي الولد عن الرجل الذي يتزوج زواجاً عرفياً وينكر نسبة الولد المتولِّد منهما إليه.



المطلب الرابع: حجية بصمة الحمض النووي في الإثبات.
أ- في مجال النسب: في هذا المجال ثوابت شرعية لا يجوز التعدي عليها؛ فإثبات النسب - في حالة التنازع، كما يحدث في المستشفيات حاليًّا - يمكن التعرف عليه عن طريق البصمة الوراثية، قياسًا على إثبات النسب بالقيافة[53]، بل أولى.
أما عند عدم وجود التنازع، فالولد للفراش[54]، ولا يجوز استخدام البصمة الوراثية للتأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، أو إلحاق ولد الزنا بصاحب الماء.
أما نفي النسب، فطريقه الشرعي اللعان، وهذا محل اتفاق بين جمهور الفقهاء[55]، وعلى ذلك: فنحن لا نتفق مع من يرون أن البصمة الوراثية يمكن أن تحلَّ محلَّ اللعان، ونتمسك بما جاء في قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي (الدورة 16 لسنة 1422هـ) من أنه: "لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان"؛ فقد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم الشبَهَ مقابل اللعان[56].
ب - الإثبات الجنائي: تعتبر بصمة الجينات الوراثية من أقوى القرائن في مجال الإثبات الجنائي؛ فهي تساعد المحقق في الكشف عن مرتكبي الجرائم وشخصية الضحية، وهي من أقوى الوسائل لحمل المتهم على الإقرار بجريمته.
أما إذا أنكر المتهم ما نسب إليه - رغم إثبات أن العينات التي جرى تحليلها تعود إليه بنسبة 99،9999% - فلا مانع من الأخذ بهذه القرينة القاطعة في إثبات الجرائم التعزيرية، ومعاقبة مرتكبيها بما يردعهم عن المعاودة، ولكن لا يؤخذ بها في إثبات جرائم الحدود - كالزنا والسرقة - ولا في إثبات جرائم القتل؛ لِما تقرر شرعًا من أن الحدَّ لا يجب إلا بالإقرار أو البينة[57]؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله؛ فإن الإمام أن يخطئ في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة))[58].
ويقول الدكتور محمد الأروادي : والقول بهذا التحليل إنما لإثبات النسب في حالة الزنا، وليس لإثبات الحد؛ لأن نظرة الشرع للنسب تختلف عن نظرته لإقامة الحد فالشرع يثبت النسب لأدنى ملابسة، وهو يتشوف لذلك، أما الحد فإن الشرع يسقطه لوجود أي شبهة، فإذا كنا نقول 99.5% هي نسبة صحة تحليل الـ "(DNA)" فإننا نثبت بهذه النسبة النسب؛ لأنه يثبت بأدنى قرينة وكانوا في الماضي يثبتونه بالقيافة، أما النصف في المائة من عدم التأكد فيعتبر الشبهة التي تسقط بها الحد، ومع ذلك لا بد أن تكون هناك عقوبة تعذير يقررها القاضي"[59]
القرار السابع لمجلس الفقه الإسلامي : بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفاة منها .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد :
فان مجلس الفقه الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في المدة من21-26/10/1422هــ الذي يوافقه 5-10/1/2002م ، وبعد النظر إلى التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشرة .. ونصه:
((البصمة الوراثية هي البنية الجينية - نسبة إلى الجينات ،أي المورثات - التي تدل على هوية كل إنسان بعينه ، وأفادت البحوث والدراسات العلمية إنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة، لتسهيل مهمة الطب الشرعي .
ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) من الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو غيره .)).
وبعد الاطلاع على ما اشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستـفيضة للبصمة الوراثية، والاطلاع على البحوث التي قدمت الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء، والاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله ، تبين من ذلك كله أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية (التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع)، وإن الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردا من حيث هي ، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك .

وبناءا على ما سبق قرر ما يلي :
أولا: لا مانع شرعا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر (إدرؤا الحدود بالشبهات)، وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة .
ثانيا : إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية .
ثالثا : لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان بسورة النور.
رابعا : لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونا لأنسابهم .

خامسا : يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية :
أ – حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء سواءا كان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها ، أم كان بسب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
 ب – حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال ونحوها وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
جـ - حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها ، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
 سادسا : لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس أو لشعب أو لفرد ، لأي غرض، كما لا تجوز هبتها لأي جهة لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد.
سابعا : يوصي المجمع الفقهي بما يأتي :
أ -  إن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء وان يكون في مختبرات للجهات المختصة، وان تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى .
ب – تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون والأطباء والإداريون وتكون مهمتها الأشراف على نتائج البصمة الوراثية واعتماد نتائجها .
جـ - إن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع، وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وان يكون عدد المورثات (الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يراه المختصون ضروريا دفعا للشك.
والله ولي التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد.



الخاتمة :
الحمد لله والصلاة ولاسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , الحمد لله الذي أعانني على اتمام بحثي وأدعوا الله أن ينفعني بما فيه وأن ينفع به غيري , وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم.
أما بعد :
فقد تناولت في بحثي (دور القرائن الحديثة في الإثبات في الشريعة الإسلامية        ( البصمة الوراثية نموذجا) في الفصل الأول منه : تعريف القرينة لغة واصطلاحا , وأركان القرينة من حيث الركن المادي والمعنوي وبينتهما , ثم تعرضت لحجية القضاء بالقرائن وسقت أدلة المانعين وأدلة المجيزين وناقشتها حتى خلصت إلى جواز القضاء بالقرائن لقوة أدلة المجوزين , وتناولت في مطلب أخير في هذا الفصل دراسة مقاصدية عن الإثبات بالقرائن من حيث الحكمة من مشروعيتها .
أما الفصل الثاني : فقد تناولت فيه ( الإثبات عبر البصمة الجينية ( DNA) )من حيث تعريف البصمة الجينية و مميزات بصمة الحمض النووي , والمجالات التي يتم بها العمل بالحمض النووي و أهمية الحمض النووي , وأخيرا كان المطلب الذي عليه مدار البحث كله وهو حجية بصمة الحمض النووي في الإثبات  وذكرت القرار السابع لمجلس الفقه الإسلامي : بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفاة منها الذي كان ملخصه :( لا مانع شرعا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر (إدرؤا الحدود بالشبهات)، في مجال النسب: في هذا المجال ثوابت شرعية لا يجوز التعدي عليها؛ فإثبات النسب - في حالة التنازع، كما يحدث في المستشفيات حاليًّا - يمكن التعرف عليه عن طريق البصمة الوراثية، قياسًا على إثبات النسب بالقيافة, أما عند عدم وجود التنازع، فالولد للفراش ، ولا يجوز استخدام البصمة الوراثية للتأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، أو إلحاق ولد الزنا بصاحب الماء.








[1] انظر: مختار الصحاح: الرازي، ص 559 ، لسان العرب: ابن منظور، 13 /335
[2] المصباح المنير: 13\686 , سورة الصافات من الآية51
[3] سورة الفرقان، آية ( 13 )
[4] الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، 13/8 )
[5]  معجم مقاييس اللغة: ابن فارس،76/ 5)
[6] التعريفات: الجرجاني، ص 152
[7] لسان العرب: ابن منظور 4/436
[8] كشاف اصطلاحات الفنون: التهانوي 3/575.
[9] . المدخل الفقهي العام: الزرقا،(914 / 2)
[10] وسائل الإثبات: الزحيلي، ص 489
[11] . الموسوعة الفقهية الكويتية: (156/  33)
[12] القضاء ونظام الإثبات في الفقه الإسلامي: محمود محمد هاشم ص 314 وما بعدها.
[13] سورة يوسف: آية(27- 2).
[14] الطرق الحكمية:ابن القيم، ص7.
[15] الطرق الحكمية: ابن القيم،ص 212
[16] وسائل الإثبات: الزحيلى، ص 494
[17] طرق الإثبات الشرعية: أحمد بن إبراهيم بك وواصل أحمد إبراهيم، ص 687.
[18] القضاء ونظام الإثبات: محمود هاشم ص 314.
[19] القيافة: هي من قاف يقوف قوفاً وقيافة، ومنه فلان يقوف الأثر أي يتبعه، والجمع قافة، انظر : لسان العرب: لابن منظور 9/293
[20] فقه السنة: سيد سابق 2/220.
[21] طرق الإثبات الشرعية: أحمد بن إبراهيم، وواصل أحمد إبراهيم، ص 688
[22] الإثبات بالقرائن في المواد المدنية والتجارية: يوسف المصاروة، ص 47
[23] وسائل الإثبات: الزحيلى ص 495
[24] طرق الإثبات الشرعية: أحمد بن إبراهيم، وواصل أحمد إبراهيم، ص 691
[25] الوسيط: السنهوري 2/603
[26] التحريات والإثبات الجنائي: مصطفى الدغيدي، ص 303
[27] الإثبات بالقرائن في المواد المدنية والتجارية: يوسف المصاروة، ص 38
[28] انظر: معين الحكام : الطرابلسى،ص 166 ، من المجلة العدلية، المادة 1741 , الأحكام السلطانية : الماوردي،ص 88
[29] حاشية ابن عابدين: ابن عابدين 7/437
[30] سورة يوسف: الآية ( 18)
[31] تبصرة الحكام: ابن فرحون 2/92.
[32] سنن أبى داوود،كتاب الأقضية، باب في الوكالة، رقم 3632.
[33] الطرق الحكمية:ابن القيم، ص 12
[34] معين الحكام: الطرابلسي، ص 166.
[35] انظر:الطرق الحكمية:ابن القيم، ص 3.
[36] صحيح البخاري :كتاب الحدود، باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة، رقم 685
[37] طرق الإثبات: البهى،ص 80.
[38] وسائل الإثبات: الزحيلي، ص 509
[39] انظر:الطرق الحكمية: ابن القيم، ص 56
[40] وسائل الإثبات: الزحيلي، ص 510 .
[41] إعلام الموقعين: ابن القيم، 4/378.
[42] وسائل الإثبات: الزحيلى، ص 514.
[43] المصدر موقع ويكيبيديا  https://ar.wikipedia.org/wiki وعلوم الإجرام البصمة الوراثية من انتاج الجزيرة الوثائقية.
[44] البصمة الوراثية , محمد أنيس الأروادي , ص7
[45] الأدلة الجنائية والتحقيق الجنائي: منصور المعايطة، ص 79.
[46] تقنيات الكشف عن الجريمة: مجموعة من خبراء الأمن الفلسطيني، ص 50.
[47] الأدلة الجنائية والتحقيق الجنائي , منصور معايطة , ص80
[48] أدلة الإثبات الجنائي: جميل الصغير، ص 61
[49] الأدلة الجنائية: عبد القادر الخياط، ص 85.
[50] البصمة الوراثية واستخداماتها , أ. د. محمد جبر الألفي تاريخ الإضافة: 23/2/2015 ميلادي - 4/5/1436 هجري موقع http://www.alukah.net .
[51] فن التحقيق: رمسيس بهنام، ص 151.
[52] أدلة الإثبات الجنائي: جميل الصغير، ص 66.
[53] نهاية المحتاج للرملي: 8/ 375،
[54] حديث متفق عليه، البخاري (2218)، ومسلم (1457).
[55] بدائع الصنائع للكاساني: 3/ 246
[56] ينظر الحديث الذي أخرجه البخاري، رقم 4747.
[57] المغني لابن قدامة: 12/ 501.
[58] أخرجه الترمذي في الحدود (1424)
[59] البصمة الوراثية , محمد الأروادي ,دكتورفي الجامعة الإسلامية في بيروت , ص20.

تعليقات