جامعة العلوم الإسلامية العالمية
كلية الشيخ نوح للشريعة والقانون
بحث بعنوان
شروط المال المزكى
إعداد : أ.معتز منتصر خطيب السرطاوي
ملاحظة هامة : لا مانع من نسخ أي جزء من البحث بشرط ذكر المؤلف وعنوان البحث ضمن المراجع وإلا ستعتبر سرقة علمية , ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمسائلة القانونية
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد:
مشكلة البحث: فإني أود في هذا البحث أن أجيب عن السؤال المحوري: (ما هي شروط المال الذي تجب فيه الزكاة)
أسئلة الدراسة: ويتفرع عن هذا السؤال أسئلة فرعية على النحو التالي:
ما هو مفهوم الزكاة وما مشروعيتها وحكمها؟
ما هو مفهوم المال وما أقسامه وأحكامه؟
هل تجوز الزكاة في ملك ناقص؟
هل يجوز اخراج الزكاة قبل حولان الحول؟
وهل العبرة بالحول الشمسي أو القمري في ذلك؟
ما معنى النماء وهل يمكن اخراج الزكاة من المال غير النامي؟
هل يجوز اخراج المال الحرام؟
ما حكم إخراج زكاة الدين؟
متى يبلغ المال النصاب الشرعي لكي يترتب عليه زكاة؟
أهداف البحث:
شرح المقصود (بكل من الزكاة و المال)
بيان مشروعية الزكاة
بيان خصائص الزكاة .
بيان أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة.
بيان شروط المال الذي تجب فيه الزكاة وتفصيل هذه الشروط وتوضيحها وبيان آراء العلماء في المختف عليه منها والمتفق عليه وتقديم إجابات عن سؤالات تعترض الشخص المسلم في حياته حول الأموال التي تجب فيها الزكاة .
أهمية البحث:
تنبع أهمية البحث من كون الزكاة ركنا أصيلا من أركان الإسلام ويهم كل مسلم التعرف على أحكامه , ثم إن الأحكام التي تتعلق بالزكاة أو ما نحن بصدد تخصيص هذا البحث فيه وهو المال الذي تجب فيه الزكاة يتعرض لمتغيرات عديدة وهذه المتغيرات تكون نتاج التطور واستحداث الانسان لأساليب معيشة متجددة ومتغيرة , وجب على المشرعين مواكبة هذه التغيرات ووضع حلول لها في ضوء التشريعات الإسلامية و القواعد الكلية والنصوص الشرعية المستقاة من الكتاب والسنة النبوية , وهذا ما سنحاول فعله في هذا البحث .
منهجية البحث:
اعتمدت في هذا البحث عدة مناهج
فبالمنهج الوصفي: قمت بتوضيح مفهوم الزكاة والمال من بطون كتب اللغة ومن كتب الفقه والمعاجم الحديثة لبيان المعنيين اللغوي والشرعي وبالمنهج الاستقرائي: تتبعت الآيات والأحاديث التي تؤكد مشروعية الزكاة , وبينت أقوال الفقهاء في المسائل التي وقع فيها خلاف في الشروط التي اشترطوها في المال الذي تجب فيه الزكاة, وبالمنهج التحليلي تمكنت تحديد أنواع المال و أنواع الديون المؤثرة في النصاب .
خطة البحث
المبحث التمهيدي: في مفهوم الزكاة وحكمها ودليل فرضيتها وفضائلها بشكل موجز.
المطلب الأول: مفهوم الزكاة
المطلب الثاني: دليل فرضيتها:
المطلب الثالث: فضائلها:
الفصل الأول : شروط المال المزكى
المبحث الأول: مفهوم المال وأهميته
المطلب الأول: مفهوم المال:
المطلب الثاني: أهمية المال في الإسلام :
المبحث الثاني: شروط المال المزكى
المطلب الأول: الملك التام:
المطلب الثاني: النماء:
المطلب الثالث: بلوغ النصاب:
المطلب الرابع: الفضل عن الحوائج الأصلية:
المطلب الخامس: حولان الحول:
المطلب السادس: زكاة المال الحرام
الخاتمة.
المبحث التمهيدي: في مفهوم الزكاة وحكمها ودليل فرضيتها وفضائلها بشكل موجز.
المطلب الأول: مفهوم الزكاة
الزكاة لغة: جاء في معجم العين "والزكاة : زكاة المال وهو تطهيره.. زكى يزكي تزكية، والزكاة: الصلاح. تقول: رجل زكي [تقي] ، ورجال أزكياء أتقياء. وزكا الزرع يزكو زكاء: ازداد ونما، وكل شيء ازداد ونما فهو يزكو زكاء", وقيل: الزكاة، معناها في كلام العرب: الزيادة والنماء. فسميت زكاة لأنها تزيد في المال الذي تخرج منه، وتوفره، وتقيه من الآفات. يقال: زكا المال يزكو زكاء: إذا زاد ونمى (243) . ويقال: قد زكت النفقة: إذا زادت. وفلان زكيّ، معناه: متزايد في الخير. وهذا أزكى من ذاك، أي: أزيد فضلاً منه. وقد زكّى القاضي العدول: إذا بيَّن زيادتهم في الفضل".
وقد يأتي لفظ الزكاة في اللغة بمعاني كثيرة متقاربة " أصل الزكاة فى اللغة: النماء والكثرة، زكا المال يزكو: إذا كثر، ودخلته البركة، وزكا الزرع إذا نما. وسميت الصدقة زكاة؛ لأنها سبب النماء والبركة. وقيل: أصلها: الطهارة، من قوله تعالى: {أقتلت نفسا زكية} أى: طاهرة. وقوله تعالى: {ليهب لك غلاما زكيا} أى: طاهرا,وقيل: مأخوذ من تزكى، أى: تقرب. قال الله تعالى: {قد أفلح من تزكى} وقيل: العمل الصالح. وقال [تعالى]: {خيرا منه زكاة} أى: عملا صالحا ، فكأنها تطهر من الذنوب، وتقرب إلى الله تعالى, وجاء فى القرآن: بمعنى الإسلام {وما عليك ألايزكى} وجاء بمعنى الحلال {فلينظر أيها أزكى طعاما} وجاء بمعنى الشفع، لأن الزكا: الزوج، والخسا: الفرد".
مفهوم الزكاة شرعا: للزكاة تعاريف متقاربة في المذاهب الأربعة، أذكر طرفًا منها:
فقد عرفها الأحناف بقولهم: "تمليك جزء من مال، عيَّنَه الشارع، من مسلم فقير غير هاشمي ولا مولاه، بشرط قطع المنفعة عن الملك من كل وجه".
وقيل: "إيتاء جزء مقدَّر من النصاب الحولي إلى الفقير، لله تعالى".
أما المالكية فعرفوها بقولهم: "إخراج جزء مخصوص، من مال مخصوص، بلغ نصابًا، لمستحقه، إن تم الملك، وحال الحول".
وعرفها الشافعية بأنها: "اسم صريح لأخذ شيء مخصوص، من مال مخصوص، على أوصاف مخصوصة، لطائفة مخصوصة".
وعرفها الحنابلة بأنها: "حق واجب في مال مخصوص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص".وهذه التعاريف متقاربة كما تقدم.
وقال الشيخ صالح الأزهري في جواهر الإكليل:
"ومناسبة الشرعي لِلُّغوي من جهة نمو الجزء المخصوص عند الله تعالى؛ لحديث: ((ما تصدق عبد بصدقة من كسبٍ طَيِّب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا كأنما يضعها في كف الرحمن، فيربيها له كما يربي أحدكم فَلُوَّهُ أو فصيله، حتى تكون كالجبل))، ومن جهة تطهير المال وحصول البركة فيه ونموه بالربح والإثمار، وتطهير صاحبه من الذنوب، وحصول البركة له، قال الله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ ,.
المطلب الثاني: دليل فرضيتها:
الكتاب، والسنة، والاجماع، أما الكتاب فقد قال تعالى: {وآتوا الزكاة}. وقال تعالى: {وفي أموالهم حَق معلوم، للسائل والمحروم}. وأما السنة فكثيرة: منها قوله صلى اللّه عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" فذكر من الخمس "إيتاء الزكاة" ومنها ما أخرجه الترمذي عن سليم بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخطب في حجة الوداع، فقال: "اتقوا اللّه، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم، تدخلون جنة ربكم" حديث حسن صحيح، ومنها غير ذلك وأما الاجماع فقد اتفقت الأمة على أنها من أركان الإسلام، بشرائط خاصة.
المطلب الثالث: فضائلها:
وللزكاة فضائل كثير منها ما هو دنيوي ومنها ما هو أخروي نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر
تكفير السيئات ودخول الجنة : قال تعالى : {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ.
أهل الزكاة هم المهتدون : قال تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
.الزكاة من البر وأهلها من الصادقون المتقون قال تعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
الزكاة تلحق بصاحبها البركة : قال تعالى : {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم
أهل الزكاة لا خوف عليهم ولا يلحقهم الحزن : قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .
الزكاة طهارة للأموال والأنفس : قال تعالى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
أعد الله لأهل الزكاة أجرًا عظيما : قال تعالى : لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا .
الفصل الأول : شروط المال المزكى
المبحث الأول: مفهوم المال وأهميته
المطلب الأول: مفهوم المال:
أولا: المالُ في اللغة هو كلُّ ما يُملَك سواء أكان منفعةً أم عيناً، ويُعدّ كلّ ما يستولي عليه الشخص، من نبات، أو حيوان، أو ذهب مالاً، ومن الأمور التي لا تُعدّ من المال، ولا يحقّ للإنسان تملُّكه، مثل الطير في الهواء، والمعدن في الأرض، والسمك الموجود في الماء، أمّا معنى المال اصطلاحاً فقد اختلف العلماء في مفهومه على رأيين: الرأي الأول، وهو قول الجمهور أنّ كل شيء له قيمة يُلزم الشخص الذي أتلفه ضمانه، ويدخل في هذا التعريف كلّ من الحقوق، والأموال العينية، والمنافع التي يمكن تملُّكها، وحيازتها بحيازة أصل هذا الشيء، الرأي الثاني وهو التعريف الذي ذكره الحنفية بأنّ المال هو كلّ شيء يمكن الانتفاع به، وإحرازه، وحيازته، فكلّ ما لا يمكن أن ينتفع به الشخص، مثل لحم الميتة، وما لا يستطيع الإنسان أن يحترزه من المنافع والحقوق مثل العلم، فلا يعتبرونه مالاً؛ لأنهم اقتصروا في تعريفهم للمال على الشيء المحسوس، كالأشياء المادية,
ثانيا: تعريف المال في اصطلاح الفقهاء
الاتجاة الاول : للحنفيه
كل ما يمكن حيازتة وإحرازة وينتفع به عاده . اذا توافر عنصران :
-إمكان الحيازة والإحراز : فلا يعد مالا ما لا يمكن حيازته كالامور المعنوية مثل العلم والصحة .
-إمكان الانتفاع به عادة : فكل ما لا يمكن الانتفاع به أصلا ، كلحم الميت والطعام المسموم أو الفاسد ، أو ينتفع به انتفاعا لا يعتد به عادة عند الناس ، كقطرة ماء ، لا يعد مالا .
الاتجاه الثاني : جمهور الفقهاء
-أن يكون الشىء له قيمة بين الناس : وهذة القيمة تثبت بوجوب الضمان على من اتلفه سواء أكانت قليله أم كثيرة .
-أن يكون الشىء له قيمة بين الناس : وهذة القيمة تثبت بوجأن يكون الشىء قد أباح الشارع الحكيم الانتفاع به في حال السعة والاختيار ، كالحيوانات والعقارات ، أما إذا كان الشارع الحكيم قد حرم الانتفاع وب الضمان على من اتلفه سواء أكانت قليله أم كثيرة .
-أن يكون الشىء قد أباح الشارع الحكيم الانتفاع به في حال السعة والاختيار ، كالحيوانات والعقارات ، أما إذا كان الشارع الحكيم قد حرم الانتفاع به كالخمر والخنزير والميته فإنه لا يكون مالا .
ثمرة الخلاف بين الاتجاهين
بالنسبة للمنافع ، الحنفية لا يعتبرون المنافع أموالا ، لأنه لا يمكن حيازة المنفعة, إذ هى شىء معنوى لا يتصور وضع اليد عليه استقلالا .
بينما يرى الجمهور أن المنافع من الاموال؛ لأن المنافع أساس التقويم في الأموال كسكنى الدار وركوب السياره . فمن غصب شيئا وانتفع به مده ثم رده إلى صاحبه فإنه على رأى جمهور الفقهاء يضمن قيمة المنفعه ، وعلى رأى الحنفية لا ضمان عليه ، غير أنهم استثنوا حالات معينة يوجبون فيها الضمانالخمر والخنزير : يرى الحنفية أنهما أموالا ، لأنهما مما يتعامل فيه غير المسلمين أما جمهورالفقهاء فيرون عدم اعتبارهما أموالا سواء بالنسبة للمسلم أو غيرة ، لعدم إباحة الاسلام الانتفاع بهما ، وغير المسلم في دولة الاسلام حكمه كحكم المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم .
المطلب الثاني: أهمية المال في الإسلام :
يُعدّ المال ركناً من أركان الدنيا، والدين، بالنسبة للدنيا فهو قِوام للحياة، أمّا في الدين فقد يدخل المال في أركان عدّة، منها الصلاة، فهي بحاجة للمال من أجل بناء المساجد، وخدمتها، وأيضاً الحج، فهو يحتاج المال، وغيرها من الصدقات، وأعمال الخير، والتعليم، وأنواع من الجهاد قد تحتاج للمال، ويكون المال في الدنيا سبباً لعيش صاحبه بعفة وكرامة، يُنفق على غيره، ولا يطلب من أحد، وكذلك يدخل المال في الزكاة التي تُعدّ من أساس النظام المالي، ولا تُعد الزكاة من الملكية العامة، وتكون مسؤوليةَ أشخاص يأخذون المال من الأغنياء، لإيصالها لمستحقيها، وِفق ما حُدّد من مصارف الزكاة.
المبحث الثاني: شروط المال المزكى
الشروط العامة للمال الذي تجب فيه الزكاة:
تحدر الإشارة إلى أن الزَّكاةُ تجب في خمسة أموال:وهي الذَّهب والفضَّة والمعدِن، والرِّكاز وعُروض التِّجارة والزُّروع والثِّمار والأنعام والبعض اعتبر هذا التقسيم شرطا من شروط المال المزكى أي أنه يجب أن يكون من هذه الأصناف الخمسة , والبعض الآخر لم يعتبره شرطا مستقلا , والخلاف في ذلك شكلي لا أثر له على الأحكام.
فيشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة خمسة شروط لا يجب إخراج الزكاة منه إلا بتوفرها جميعًا وهي:
المطلب الأول: الملك التام:
فرغم نظرة الإسلام للمال أي مال أنه مال الله أصلاً قال تعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وقال: {أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم} ، فإن الله تعالى أضاف الأموال إلى عباده تكريمًا لهم وفضلاً منه تعالى، وابتلاء لهم بما أنعم به عليهم؛ ليشعروا بكرامتهم على الله وأنهم خلفاء الله في الأرض، ويحسوا بمسئوليتهم عما ملكهم إياه.. وبناء على هذا المعنى نجد آيات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} ، وعلى هذا فليس المراد بالملك التام الملك الحقيقي لأن الملك الحقيقي لله وحده، لكن المقصود الملك المرتبط بالإنسان على النحو المعروف للجميع، بأن يكون المسلم حائزًا للمال حيازة كاملة، متمكنًا من التصرف فيه تصرفًا كاملاً بشكل دائم دون قيد على هذا التصرف ودون شراكة من أحد في ذلك.. ويدخل في ذلك انفراده بالحصول على أي فوائد تتولد عن هذا المال منفردًا، والأدلة على هذا الشرط كثيرة منها قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله فرض عليهم في أموالهم....» ، ويترتب على هذا الشرط أن المال الذي ليس له مالك معين ليس عليه زكاة كأموال الحكومة التي تجمعها من الزكاة ونحوها، وكذلك الأموال الموقوفة على أمور عامة كمصالح المسلمين أو على الفقراء والمحتاجين ونحو ذلك.. كما أن المال الحرام ليس فيه زكاة لأن حائزه لا يتملكه بل يجب عليه أن يعيده لملاكه الأصليين، لأن السرقة أو الرشوة أو الغصب لايفيد ملكًا. ويرتبط بشرط الملك التام مسألة زكاة الدين بمعنى: إذا كان هناك دين فهل زكاته على الدائن باعتباره مالكه الحقيقي، أم على المدين باعتباره المتصرف فيه المنتفع به حقيقة؟.
حالات نقصان الملك:
مال الضمار : جاء في بدائع الصنائع في حديثه عن اشتراط الملك المطلق في مال الزكاة " ومنها الملك المطلق وهو أن يكون مملوكا له رقبة ويدا وهذا قول أصحابنا الثلاثة ، وقال زفر : " اليد ليست بشرط " وهو قول الشافعي فلا تجب الزكاة في المال الضمار عندنا خلافا لهما .
وتفسير مال الضمار هو كل مال غير مقدور الانتفاع به مع قيام أصل الملك كالعبد الآبق والضال ، والمال المفقود ، والمال الساقط في البحر ، والمال الذي أخذه السلطان مصادرة ، والدين المجحود إذا لم يكن للمالك بينة وحال الحول ثم صار له بينة بأن أقر عند الناس ، والمال المدفون في الصحراء إذا خفي على المالك مكانه فإن كان مدفونا في البيت تجب فيه الزكاة بالإجماع .
وفي المدفون في الكرم والدار الكبيرة اختلاف المشايخ احتجاجا بعمومات الزكاة من غير فصل ; ولأن وجوب الزكاة يعتمد الملك دون اليد بدليل ابن السبيل فإنه تجب الزكاة في ماله وإن كانت يده فائتة لقيام ملكه .
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا زكاة في مال الضمار } وهو المال الذي لا ينتفع به مع قيام الملك مأخوذ من البعير الضامر الذي لا ينتفع به لشدة هزاله مع كونه حيا ، وهذه الأموال غير منتفع بها في حق المالك ; لعدم وصول يده إليها فكانت ضمارا ; ولأن المال إذا لم يكن مقدور الانتفاع به في حق المالك لا يكون المالك به غنيا ولا زكاة على غير الغنى بالحديث الذي روينا ، ومال ابن السبيل مقدور الانتفاع به في حقه بيد نائبه وكذا المدفون في البيت ; لأنه يمكنه الوصول إليه بالنبش بخلاف المفازة ; لأن نبش كل الصحراء غير مقدور له ،الدين: وكذا الدين المقر به إذا كان المقر مليا فهو ممكن الوصول إليه . وأما الدين المجحود فإن لم يكن له بينة فهو على الاختلاف وإن كان له بينة اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : تجب الزكاة فيه ; لأنه يتمكن الوصول إليه بالبينة فإذا لم يقم البينة فقد ضيع القدرة فلم يعذر ، وقال بعضهم : لا تجب ; لأن الشاهد قد يفسق إلا إذا كان القاضي عالما بالدين ; لأنه يقضى بعلمه فكان مقدور الانتفاع به ، وإن كان المديون يقر في السر ويجحد في العلانية فلا زكاة فيه كذا روي عن أبي يوسف ; لأنه لا ينتفع بإقراره في السر فكان بمنزلة الجاحد سرا وعلانية .
وتفصيل هذا الأمر على النحو التالي:
الدَّيْن مملوك للدائن ، ولكنه لكونه ليس تحت يد صاحبه : فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء : -فذهب ابن عمر ، وعائشة ، وعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم : إلى أنه لا زكاة في الدَّين ، ووجهه : أنه غير نامٍ ، فلم تجب زكاته ، كعروض القُنية - وهي العروض التي تقتنى لأجل الانتفاع الشخصي -
-وذهب جمهور العلماء : إلى أن الدَّيْن الحالَّ قسمان : دين حال مرجو الأداء ، ودين حال غير مرجو الأداء .فالدَّين الحالُّ المرجو الأداء : هو ما كان على مقرٍّ به ، باذلٍ له ، وفيه أقوال : فمذهب الحنفية ، والحنابلة ، وهو قول الثوري : أن زكاته تجب على صاحبه كلَّ عام ؛ لأنه مال مملوك له ، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه ، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين .ووجه هذا القول : أنه ديْن ثابت في الذمة ، فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه ؛ ولأنه لا ينتفع به في الحال ، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به ، على أن الوديعة التي يقدر صاحبها أن يأخذها في أي وقت ليست من هذا النوع ، بل يجب إخراج زكاتها عند الحول .ومذهب الشافعي في الأظهر ، وحماد بن أبي سليمان ، وإسحاق ، وأبي عبيد : أنه يجب إخراج زكاة الديْن المرجو الأداء في نهاية كل حول ، كالمال الذي هو بيده ، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه .وجعل المالكية الديْن أنواعا : فبعض الديون يزكَّى كل عام ، وهي دين التاجر المدير [أي الذي يبيع ويشتري للتجارة] عن ثمن بضاعة تجارية باعها .وبعضها يزكَّى لحولٍ من أصله لسنَة واحدة عند قبضه ، ولو أقام عند المدين سنين ، وهو ما أقرضه لغيره من نقد ، وكذا ثمن بضاعة باعها محتكر .وبعض الديون لا زكاة فيه ، وهو ما لم يقبض ، من نحو هبة ، أو مهر ، أو عوض جناية .وأما الديْن غير المرجو الأداء : فهو ما كان على معسرٍ ، أو جاحد ، أو مماطل ، وفيه مذاهب : فمذهب الحنفية فيه ، وهو قول قتادة وإسحاق ، وأبي ثور ، ورواية عن أحمد ، وقول للشافعي : أنه لا زكاة فيه ؛ لعدم تمام المِلك ؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به .والقول الثاني : وهو قول الثوري ، وأبي عبيد ورواية عن أحمد ، وقول للشافعي هو الأظهر : أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين ؛ لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون : (إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى) .وذهب مالك إلى أنه: يزكيه إذا قبضه لعامٍ واحد وإن أقام عند المدين أعواماً ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ، والحسن والليث ، والأوزاعي" انتهى باختصار يسير .مال الأسير والمسجون.
من كان مأسورًا أو مسجونًا قد حيل بينه وبين التّصرّف في ماله والانتفاع به، ذكر ابن قدامة أنّ ذلك لا يمنع وجوب الزّكاة عليه; لأنّه لو تصرّف في ماله ببيعٍ وهبةٍ ونحوهما نفذ، وكذا لو وكّل في ماله نفذت الوكالة.
أمّا عند المالكيّة فإنّ كون الرّجل مفقودًا أو أسيرًا يسقط الزّكاة في حقّه من أمواله الباطنة، لأنّه بذلك يكون مغلوبًا على عدم التّنمية فيكون ماله حينئذٍ كالمال الضّائع، ولذا يزكّيها إذا أطلق لسنةٍ واحدةٍ كالأموال الضّائعة.
وفي قول الأجهوريّ والزّرقانيّ: لا زكاة عليه فيها أصلًا.
وفي قول البنانيّ: لا تسقط الزّكاة عن الأسير والمفقود، بل تجب الزّكاة عليهما كلّ عامٍ، لكن لا يجب الإخراج من مالهما بل يتوقّف مخافة حدوث الموت.
أمّا المال الظّاهر فقد اتّفقت كلمة المالكيّة أنّ الفقد والأسر لا يسقطان زكاته; لأنّها محمولان على الحياة، ويجوز أخذ الزّكاة من مالهما الظّاهر وتجزئ، ولا يضرّ عدم النّيّة; لأنّ نيّة المخرج تقوم مقام نيّته.
المطلب الثاني: النماء:
وفي لغة: نما ينمو نموا، أي زاد وكثر، ونميت الشيء تنمية جعلته ينمو. فالإنماء والتنمية: فعل ما به يزيد الشيء ويكثر. ونمى الصيد: غاب، والإنماء أن يرمي الصيد فيغيب عن عينه ثم يدركه ميتا، وعن ابن عباس مرفوعا: كل ما أصميت، ودع ما أنميت
يشترط في المال كي تجري فيه الزكاة أن يكون قابلاً لأن ينمو بعمل ما من صاحبه أو من وكيله، فإن كان ممكنًا للمال أن ينمو فتركه صاحبه ولم ينمه فإنه يلزمه زكاته؛ لأن العبرة ليس بالنماء الفعلي ولكن بإمكانية النماء، والدليل على شرط النماء هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم «ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة» ، قال النووى: "هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها". وبالتالى فالمال الذي لا ينمو بغير امتناع من صاحبه عن تنميته لا زكاة فيه، حتى يتمكن صاحبه منه
قال ابن الهمام، أن المقصود من شرعية الزكاة بالإضافة إلى الابتلاء مواساة الفقراء على وجه لا يصير به المزكي فقيرا، بأن يعطي من فضل ماله قليلا من كثير، والإيجاب في المال الذي لا نماء له يؤدي إلى خلاف ذلك مع تكرر السنين.
قالوا: والنماء متحقق في السوائم بالدر والنسل، وفي الأموال المعدة للتجارة، والأرض الزراعية العشرية، وسائر الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا يشترط تحقق النماء بالفعل بل تكفي القدرة على الاستنماء بكون المال في يده أو يد نائبه.
وبهذا الشرط خرجت الثياب التي لا تراد لتجارة سواء كان صاحبها محتاجا إليها أو لا، وأثاث المنزل، والحوانيت، والعقارات، والكتب لأهلها أو غير أهلها، وخرجت الأنعام التي لم تعد للدر والنسل، بل كانت معدة للحرث، أو الركوب، أو اللحم.
والذهب والفضة لا يشترط فيهما النماء بالفعل؛ لأنهما للنماء خلقة، فتجب الزكاة فيهما، نوى التجارة أو لم ينو أصلا، أو نوى النفقة.
فإن كان المال مغصوبًا لا يمكن استرداده أو دينًا لا يرجى تحصيله أو مخبوء أُنسي مكانه فإنه لا زكاة عليه حتى يتمكن منه.
المطلب الثالث: بلوغ النصاب:
ليس أي قدر من المال تجب فيه الصدقة بل حدد الشرع الحنيف مقدارًا محددا تجب في المال الزكاة إذا بلغه، أما إن لم يبلغه فلا زكاة فيه، فكان هذا المقدار المحدد سقفًا يتحدد به الفرق بين الغنى الذي تجب فيه الزكاة ومن دونه، وسوف يأتي تفصيل قدر كل مقدار عند الحديث عن كل نوع من أنواع الأموال الزكوية.
والنصاب هو قدر من المال رتب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه، فلا تجب الزكاة في أقل منه، وهو يختلف باختلاف المال الزكوي ودليل اشتراط النصاب ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أوسق صدقة)).
مقدار النصاب
النصاب: مقدار من المال معين شرعا لا تجب الزكاة في أقل منه، والنصاب للذهب عشرون مثقالا، وتساوي (85) جراما من الذهب الخالص، ونصاب الفضة مئتا درهم، وتساوي (595) جراما من الفضة الخالصة، ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق، وتعادل (612) كيلوجراما من القمح ونحوه، ونصاب الإبل خمس، ونصاب البقر ثلاثون، ونصاب الغنم أربعون.
الوقت الذي يعتبر فيه النصاب
يجب أن يوجد النصاب كاملا في جميع الحول؛ فإن نقص النصاب لحظة من الحول؛ انقطع الحول، فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين يكمل النصاب، وهذا مذهب الجمهور: المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وهو قول زفر من الحنفية.
مسألة: هل يمنع الدين من وجوب الزكاة؟
سبق بيان زكاة الدين في شرط الملك التام , فمن نقص ماله عن النصاب بسبب دين عليه لم يؤده بعد فحكمه أنه لا يمنع من عليه دين من وجوب الزكاة، وهذا مذهب الشافعية ، والظاهرية ، وبه قالت طائفة من السلف ، واختاره أبو عبيد القاسم بن سلام ، وابن باز، وابن عثيمين.
ودليلهم قول الله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ووجه الدلالة: أن عموم النص يدل على وجوب الزكاة في المال، سواء كان عليه دين أو لم يكن
وذهب الحنفية إلى أن الدين الذي يمنع وجوب الزكاة هو ما كان له مطالب من جهة العباد سواء كان دينا لله كزكاة وخراج، أو كان للعباد، وسواء كان حالا أو مؤجلا، ولو صداق زوجته المؤجل للفراق، أو نفقة لزوجته، أو لقريب لزمته بقضاء أو تراض، وكذا عندهم دين الكفالة، قالوا: لأن الكفيل محتاج إلى ما بيده ليقضي عنه دفعا للملازمة أو الحبس, أما ما لم يكن له مطالب من جهة العباد فلا يمنع وجوب الزكاة، قالوا: كدين النذر والكفارة والحج، ومثلها الأضحية، وهدي المتعة، ودين صدقة الفطر.
المطلب الرابع: الفضل عن الحوائج الأصلية:
والمقصود حوائج الإنسان وأهله الأساسية دون إسراف أو تقتير، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك -أي الزوجة والولد-، فإن فضل شيء عن أهلك فلذوي قرابتك، فإن فضل شيء عن ذوي قرابتك شيء فهكذا وهكذا».
وهذا الشرط يذكره الحنفية. وبناء عليه قالوا: لا زكاة في كتب العلم المقتناة لأهلها وغير أهلها ولو كانت تساوي نصبا، وكذا دار السكنى وأثاث المنزل ودواب الركوب ونحو ذلك.
قالوا: لأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم، وفسره ابن ملك بما يدفع عنه الهلاك تحقيقا كثيابه، أو تقديرا كدينه, وقد جعل ابن ملك من هذا النوع أن يكون لديه نصاب دراهم أمسكها بنية صرفها إلى الحاجة الأصلية فلا زكاة فيها إذا حال عليها الحول عنده، لكن اعترضه ابن نجيم في البحر الرائق، بأن الزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه للنماء أو للنفقة.
المطلب الخامس: حولان الحول:
بمعنى أن يمر على المال في ملك المالك اثنا عشر شهرًا عربية، وهذا الشرط يخص الأنعام والنقود والتجارة، أما المنتجات الزراعية والعسل والمعادن ونحوها فلا يشترط فيها الحول.
"فالمراد بالحول أن يتم على المال بيد صاحبه سنة كاملة قمرية، فإن لم تتم فلا زكاة فيه، إلا أن يكون بيده مال آخر بلغ نصابا قد انعقد حوله، وكان المالان مما يضم أحدهما إلى الآخر، فيرى بعض الفقهاء، أن الثاني يزكى مع الأول عند تمام حول الأول، كما يأتي بيانه تفصيلا.
ودليل اعتبار الحول قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول. ويستثنى من اشتراط الحول في الأموال الزكوية الخارج من الأرض من الغلال الزراعية، والمعادن، والركاز، فتجب الزكاة في هذين النوعين ولو لم يحل الحول، لقوله تعالى في الزروع {وآتوا حقه يوم حصاده} .
فإن لم يكن عند المكلف مال فاستفاد مالا زكويا لم يبلغ نصابا فلا زكاة فيه ولا ينعقد حوله، فإن تم عنده نصاب انعقد الحول من يوم تم النصاب، وتجب عليه زكاته إن بقي إلى تمام الحول.
وإن كان عنده نصاب، وقبل أن يحول عليه الحول استفاد مالا من جنس ذلك النصاب أو مما يضم إليه، فله ثلاثة أقسام:
الأول: أن تكون الزيادة من نماء المال الأول. كربح التجارة، ونتاج السائمة، فهذا يزكى مع الأصل عند تمام الحول. قال ابن قدامة: لا نعلم في ذلك خلافا، لأنه تبع للنصاب من جنسه، فأشبه النماء المتصل.
القسم الثاني: أن يكون المستفاد من غير جنس المال الذي عنده، كأن يكون ماله إبلا فيستفيد ذهبا أو فضة. فهذا النوع لا يزكى عند حول الأصل. بل ينعقد حوله يوم استفادته إن كان نصابا، اتفاقا، ما عدا قولا شاذا أنه يزكيه حين يستفيده.
ولم يعرج على هذا القول أحد من العلماء، ولا قال به أحد من أئمة الفتيا.
القسم الثالث: أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده قد انعقد حوله وليس المستفاد من نماء المال الأول. كأن يكون عنده عشرون مثقالا ذهبا ملكها في أول المحرم، ثم يستفيد ألف مثقال في أول ذي الحجة، فقد اختلف العلماء في ذلك:
فذهب الشافعية والحنابلة، إلى أنه يضم إلى الأول في النصاب دون الحول، فيزكي الأول عند حوله أي في أول المحرم في المثال المتقدم، ويزكي الثاني لحوله أي في أول ذي الحجة ولو كان أقل من نصاب، لأنه بلغ بضمه إلى الأول نصابا. واستدلوا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول . وبقوله: من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه.
وذهب الحنفية إلى أنه يضم كل ما يأتي في الحول إلى النصاب الذي عنده فيزكيهما جميعا عند تمام حول الأول، قالوا: لأنه يضم إلى جنسه في النصاب فوجب ضمه إليه في الحول كالنصاب، ولأن النصاب سبب، والحول شرط، فإذا ضم في النصاب الذي هو سبب، فضمه إليه في الحول الذي هو شرط أولى؛ ولأن إفراد كل مال يستفاد بحول يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة، واختلاف أوقات الواجب، والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك، ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه، وفي ذلك حرج، وإنما شرع الحول للتيسير، وقد قال الله تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وقياسا على نتاج السائمة وربح التجارة. واستثنى أبو حنيفة ما كان ثمن مال قد زكي فلا يضم، لئلا يؤدي إلى الثني.
وذهب المالكية إلى التفريق في ذلك بين السائمة وبين النقود، فقالوا في السائمة كقول أبي حنيفة، قالوا: لأن زكاة السائمة موكولة إلى الساعي، فلو لم تضم لأدى ذلك إلى خروجه أكثر من مرة، بخلاف الأثمان فلا تضم، فإنها موكولة إلى أربابها.
مسألة: إذا تعسَّر الحَوْلُ القَمَريُّ
إذا تعسَّر مراعاةُ الحَوْلِ القَمريِّ- بسببِ ربْط ميزانيَّة الشَّرِكة أو المؤسَّسة بالسَّنةِ الشَّمسيَّة- فإنَّه يجوزُ مراعاةُ السَّنة الشمسيَّة، وتزدادُ النِّسبةُ المذكورةُ بنسبة عددِ الأيَّامِ التي تزيد بها السَّنةُ الشَّمسيَّة على القمريَّةِ، فتكون النِّسبةُ عندئذ (2.577 في المائة)، وبهذا صدرَ قرارُ نَدَوات قضايا الزَّكاةِ المعاصِرةِ.
مسألة: التصرُّفُ في المالِ قَبل الحَول
يجوزُ التَّصرُّفُ في المالِ كيفما شاءَ بيعًا أو هِبةً، أو غيرَ ذلك قَبل حلولِ الحَول، ما لم يكُن حيلةً لإسقاط الزَّكاةودليلنا مِنَ الإجماعِ: فقد نقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ بطَّالٍ فقد قال ابنُ بطَّال: (أجمع العلماءُ أنَّ للرجُل قبل حلولِ الحول التصرُّفَ في مالِه بالبيع، والهِبة، والذَّبح، إذا لم ينوِ الفرارَ من الصَّدقة).
المطلب السادس: زكاة المال الحرام
لمال الحرام كالمأخوذ غصبا أو سرقة أو رشوة أو ربا أو نحو ذلك ليس مملوكا لمن هو بيده، فلا تجب عليه زكاته؛ لأن الزكاة تمليك، وغير المالك لا يكون منه تمليك؛ ولأن الزكاة تطهر المزكي وتطهر المال المزكى لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وقاللنبي صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صدقة من غلول
والمال الحرام كله خبث لا يطهر، والواجب في المال الحرام رده إلى أصحابه إن أمكن معرفتهم وإلا وجب إخراجه كله عن ملكه على سبيل التخلص منه لا على سبيل التصدق به، وهذا متفق عليه بين أصحاب المذاهب. قال الحنفية: لو كان المال الخبيث نصابا لا يلزم من هو بيده الزكاة؛ لأنه يجب إخراجه كله فلا يفيد إيجاب التصدق ببعضه.
وفي الشرح الصغير للدردير من المالكية: تجب الزكاة على مالك النصاب فلا تجب على غير مالك كغاصب ومودع.
وقال الشافعية كما نقله النووي عن الغزالي وأقره: إذا لم يكن في يده إلا مال حرام محض فلا حج عليه ولا زكاة، ولا تلزمه كفارة مالية.
وقال الحنابلة: التصرفات الحكمية للغاصب في المال المغصوب تحرم ولا تصح، وذلك كالوضوء من ماء مغصوب والصلاة بثوب مغصوب أو في مكان مغصوب، وكإخراج زكاة المال المغصوب، والحج منه، والعقود الواردة عليه كالبيع والإجارة.
تعليقات
إرسال تعليق
علق هنا...