جامعة العلوم الإسلامية العالمية
كلية الشيخ نوح للشريعة والقانون
بحث بعنوان
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
إعداد: أ.معتز منتصر خطيب السرطاوي
ملاحظة هامة : لا مانع من نسخ أي جزء من البحث بشرط ذكر المؤلف وعنوان البحث ضمن المراجع وإلا ستعتبر سرقة علمية , ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمسائلة القانونية
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فإني أود في هذا البحث أن أبين معنى قاعدة (ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب) ومستند هذه القاعدة وآراء الفقهاء في العمل بها , وشروط العمل بها وأقسامها وحكم كل قسم , وأخيرا سأسوق التطبيقات والمسائل التي تندرج تحت القاعدة.
أولا: أهداف البحث:
شرح المقصود (ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب)
بيان مستند القاعدة.
بيان شروط العمل بها .
بيان أقسامها وحكم كل قسم.
بيان بعض المسائل التي تندرج تحت القاعدة وآراء الفقهاء في ذلك.
ثانيا: أهمية البحث:
تنبع اهمية البحث من أهمية القاعدة التي أود بحثها وهي (ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب) لما لها من دور كبير في المساهمة للوصول لأحكام فقهية لكثير من المستجدات المعاصرة , لضمان صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان.
ثالثا: منهجية البحث:
اعتمدت في هذا البحث عدة مناهج
فبالمنهج الوصفي: قمت بتوضيح مفهوم قاعدة (ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب) من بطون كتب اللغة ومن كتب الفقه لبيان المعنيين اللغوي والشرعي وبالمنهج الاستقرائي: تتبعت أقوال العلماء القدامى والمعاصرين وبينت أقوال الفقهاء في المسائل التي فيها خلاف.
رابعا:خطة البحث:
المبحث الأول: تعريف الواجب وأقسامه.
المطلب الأول: التعريف اللغوي
المطلب الثاني: تعريف الواجب اصطلاحا وشرعا
المطلب الثالث: أقسام الواجب
المبحث الثاني: معنى قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وشروطها وتقسيماتها وحكم كل قسم.
المطلب الأول: معنى القاعدة وشروطها.
المطلب الثاني: تقسيمات القاعدة وحكم كل قسم.
المبحث الثالث: مستندات القاعدة وفروعها.
المطلب الأول: مستندات القاعدة وأدلتها.
المطلب الثاني:ومن فروع هذه المسألة.
المبحث الأول: تعريف الواجب
المطلب الأول: التعريف اللغوي
أصله من الجذر الثلاثي (وجب) وهو:" وجب: وجب الشيء وجوبا. وأوجبه ووجبه. ووجبت الشمس وجبا: غابت. وسمعت لها وجبة، أي: وقعة. مثل شيء يقع على الأرض. والموجب من الدواب: الذي يفزع من كل شيء. ويقال: الوجاب. وقوله جل وعز: فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها
«2» ، يقال: [معناه] : خرجت أنفسها، ويقال: [معناه] : سقطت لجنوبها. والموجبات: الكبائر من الذنوب التي يوجب الله بها النار. ووجب الرجل على نفسه الطعام إذا جعل لنفسه أكلة واحدة في اليوم، وهي الوجبة".
وجب الشيء، أي لزم، يجب وجوبا. وأوجبه الله، واستوجبه، أي استحقه. ووجب البيع يجب جبة. وأوجبت البيع فوجب. والوجيبة: أن توجب البيع ثم تأخذه أولا فأولا، فإذا فرغت قيل: قد استوفيت وجيبتك. ووجب القلب وجيبا: اضطرب. وأوجب الرجل، إذا عمل عملا يوجب له الجنة أو النار. والوجب: الجبان, ووجبت الشمس، أي غابت. ووجبت به الأرض توجيبا، أي ضربتها به. ويقال أيضا: وجبت الإبل، إذا أعيت".
وجاء في لسان العرب:"وجب الشيء يجب وجوباً أي لزم ويقال وجب الشيء يجب وجوباً إذا ثبت ولزم".
المطلب الثاني: تعريف الواجب اصطلاحا وشرعا
تعريف الواجب شرعا : "قال القاضي ابو بكر الباقلاني "هو الذي يذم تاركه ويلام شرعاَ بوجه ما" وقال الغزالي:": ماورد اللّوم على تركه، أو بما يعصى تاركه"
مذهب الحنفية في التفريق بين الفرض والواجب:
(الفرض) هو (الواجب) عند جمهور الفقهاء، فيقولون: (صوم رمضان واجب) كما يقولون: (فرض) ، ويقولون: (زكاة الفطر فرض) كما يقولون: (واجبة) .
وخالفهم في ذلك الحنفية ـ وهو رواية عن الإمام أحمد ـ ففرقوا بين (الفرض) و (الواجب) لا من جهة التعريف المتقدم، وإنما من جهة طريق ورود الدليل الدال على الوجوب أو الفرضية، فكان عندهم ما ورد الدليل الدال على الوجوب أو الفرضية، فكان عندهم ما ورد بدليل قطعي الورود كالقرآن والحديث المتواتر فهو فرض، وما ورد بدليل ظني الورود كحديث الآحاد الصحيح فهو واجب، وعليه فـ (الواجب) أدنى في الحتمية عندهم من (الفرض) بهذه الحيثية.
ومذهب الجمهور أصح وأرجح، لرجحان وجوب العمل بحديث الآحاد الصحيح، كما سيأتي بيانه في الكلام على (دليل السنة) في أدلة الأحكام، لكن يستفاد من هذا مراعاة طريقة الحنفية عند النظر في كتبهم في الفروع".
المطلب الثالث: أقسام الواجب
للواجب أقسام باعتبارات متعددة، هي:
1ـ باعتبار وقت أدائه، قسمان:
[1] واجب مطلق أو موسع، وهو ما طلب الشارع فعله من غير تقييد لأدائه بزمن معين.
مثل: قضاء ما أفطره الإنسان بعذر من رمضان، فإن الله تعالى قال: {فعدة من أيام أخر} ، فهي فسحة بعد رمضان في أي وقت شاء من عامه، لا يلزمه التعجيل ولا يأثم بالتأخير، وإن كانت المسارعة أبرأ للذمة خشية أي يحال بينه وبين القضاء، وكذا الصلوات الخمس فيما بين الوقتين.
[2] واجب مقيد أو مضيق، وهو ما طلب الشارع فعله مقيدا بزمن معين.
مثل: صوم رمضان لمن شهد الشهر ولا عذر له بتأخير الصوم، كما قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.
وهذا لا تبرأ الذمة إلا بأدائه في وقته المحدد.
2ـ باعتبار تقديره وحده، قسمان:
[1] واجب مقدر (محدد) ، وهو ما عين الشارع له حدا محدودا، فيلزم الوقوف عنده.
مثل: أنصبة الزكاة ومقدار الواجب فيها.
وحكم هذا النوع أنه يلزم المكلف، ولا تبرأ ذمته له حدا.
مثل: مقدار النفقة الواجبة على الزوج لزوجته، التعاون على البر والتقوى، الإحسان إلى الناس، فإنه ليس لهذه الواجبات تقديرات شرعية، وإنما يعود تقديرها إلى الظرف وإدراك المكلف، أو إلى العرف أو قضاء القاضي كما في المسألة الأولى.
3ـ باعتبار تعيينه بذاته أو عدم تعيينه، قسمان:
[1] واجب معين، وهو ما تحتم على المكلف أن يوقعه بعينه من غير أن يكون له فيه اختيار آخر.
مثل: صيام شهر رمضان، فإن المكلف ليس مخيرا بين الصيام والفطر، بل تعين عليه الصيام وليس ثمة بديل عنه ما كانت له قدرة عليه.
[2] واجب غير معين، وهو ما تحتم على المكلف أن يوقعه، لكن باختيار موسع بين أصناف من الأفعال يتحقق الواجب بفعل أحدها.
مثل: كفارة اليمين، فإنها واجبة، لكنها تتحقق بواحد من ثلاثة أشياء: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، أي ذلك فعلت أسقط عنك الوجوب، فهو غير معين في أحدها.
4ـ باعتبار المطالب به، قسمان:
[1] واجب عيني، أو: (فرض عين) ، وهو ما توجه فيه الطلب اللازم إلى كل مكلف، فلا يسقط قيام البعض به المؤاخذة عن الباقين.
مثل: الصلوات الخمس، وحج البيت، وصلة الأرحام.
[2] واجب كفائي، أو (فرض كفاية) ، وهو ما طلب الشارع حصوله من جماعة المكلفين، بحيث لو قام بعضهم برئت ذمة سائرهم.
مثل: الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحصيل الأسباب لحفظ الضرورات الخمس: الدين، والنفس،والمال، والعرض، والعقل، كالتفرغ للعلوم المتخصصة في الشريعة والحياة، وإدارة شؤون الحكم والقضاء والسياسة.
واجتماع الناس على التفريط بهذا الواجب اجتماع على الإثم، ولا تبرأ ذممهم حتى يوجد فيهم من يحقق الكفاية لسائر المسلمين بتحصيل ذلك الواجب.
المبحث الثاني: معنى قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وشروطها وتقسيماتها وحكم كل قسم.
المطلب الأول: معنى القاعدة وشروطها.
وقد اختلف العلماء في ضبط المقصود بهذه القاعدة، وفي حكمه، وأرجح الأقوال في ذلك، أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مطلقاً سواء كان شرطاً أم سبباً.
والشرط هو: (ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، كالطهارة للصلاة) .
والسبب هو: (ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، كالدلوك سبب لوجوب الصلاة) .
يشترط في وجوب ما لا يتم الواجب إلا به شرطان:
الأول: أن يكون الوجوب مطلقاً أي غير معلق على حصول ما يتوقف عليه، فإن كان معلقاً على حصول ما يتوقف عليه فهو غير ملزم، كما لو قال السيد لعبده: إن صعدت السطح ونصبت السلم فاسقني ماء، فإنه لا يكون مكلفاً بالصعود ولا بنصب السلم بلا خلاف، بل إن حصل ذلك صار مكلفاً بالسقي وإلا فلا، فالمراد بالواجب المطلق ما لا يكون وجوبه مقيداً بما يتوقف عليه وجوده، وإن كان مقيداً بما يتوقف عليه وجوبه، كقوله تعالى: (أَقِم الصلاةَ لدُلوكِ الشمسِ إلى غسقِ الليلِ) . فإن وجوب الصلاة مقيد بوجود الدلوك، وواجب مطلق بالنسبة للطهارة والتوجه للقبلة.
الشرط الثاني: أن يكون ما يتوقف عليه الواجب مقدوراً للمكلف، بأن يكون في وسع المكلف الإتيان به، كالوضوء للصلاة والسير إلى مكة للحج، فإن لم يكن مقدوراً للمكلف فلا يجب عليه تحصيله، ولا يكون واجباً بوجوب الواجب المطلق. كحضور العدد في الجمعة بالموضع الذي تقام فيه، فإنه غير مقدور للمكلف، لأن كل واحد لا يقدر إلا على حضور نفسه دون غيره، فالجمعة بالنسبة لحضور العدد واجب مطلق، ويتوقف على حضور العدد وجود الجمعة، لأنها لا تنعقد بدونه، لكنه لا يجب لكونه غير مقدور، ولتوقف وجوب الجمعة على وجود العدد بالمصر الذي تقام فيه الجمعة واجب مقيد فلا يوجب إيجابه وجوب مقدمته.
المطلب الثاني: تقسيمات القاعدة وحكم كل قسم.
ما لا يتم الواجب إلا به ينقسم قسمين:
1 ـ ما لا يتم الوجوب إلا به، كشروط الوجوب، وأسبابه، وانتفاء موانعه، فهذه ليست واجبة باتفاق، فليس على المكلف أن يمسك عن إنفاق ما عنده من مال حتى يتم الحول ويزكيه، وليس عليه أن يمسك ما عنده من بهيمة الأنعام أو يزيدها حتى تبلغ نصابا لتجب فيها الزكاة مثلا. وإنما يتصرف في ماله تصرفا عاديا من غير هروب من الزكاة، فإذا حال الحول وعنده نصاب زكاة زكاه وإلا فلا. فهذه الشروط والأسباب وإن كانت داخلة في عموم «ما لا يتم الواجب إلا به» لكنها غير مرادة.
2 ـ ما لا يمكن عقلاً أو شرعاً أو عادةً أن يفعل الواجب تاما إلا بفعله، وهذا ينقسم أيضا قسمين:
أ ـ ... ما ليس بمقدور للمكلف، كغسل اليد في الوضوء إذا تعذر لقطع ونحوه، وكالركوع والسجود إذا تعذر ليبس في ظهره ونحو ذلك. فهذا خارج عن القاعدة فلا يجب باتفاق.
ب ـ ما هو مقدور للمكلف، مثل غسل جميع الثوب الذي أصابته نجاسة ولا يدري موضعها، وإمساك جزء من الليل مع النهار حتى يتم صيام النهار، والوضوء للصلاة، ونيتها. وهذا ينقسم أيضا قسمين:
1 - ما ورد في إيجابه نص مستقل كالوضوء والنية للصلاة، وهذا واجب باتفاق، ولم ينقل عن أحد فيه خلاف.
2 - ما لم يرد فيه بخصوصه دليل مستقل، وهذا هو موضع النزاع، وهو الذي قال بعض العلماء فيه: لا نسميه واجبا وإن وجب فعله تبعا.
والخلاف في هذه القاعدة ضعيف، والقاعدة معمول بها عند جميع الأئمة، ومن نقل فيها خلافا فإنما هو في التسمية، وفي استحقاق هذه الزيادة ثوابا مستقلا. وإنما قال الجمهور: تسمى هذه الزيادة واجبا؛ لأنها لا يجوز تركها أبدا إلا بترك الواجب، وترك الواجب يذم عليه المكلف فكذلك ما لازمه.
فما قد يكون مباحًا لم يرد فيه أمر مستقل من الشارع، كإفراز المال لإخراج الزكاة فهذا ليس بواجب قصدًا إنما وجب بقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وعلى هذا النوع تنطبق القاعدة القائلة: يجب التوصل إلى الواجب بما ليس بواجب ,بناءً على ذلك نستطيع أن نقول: إن المباح قد يكون واجبًا إذا كان الواجب لا يتم إلا به، وقد يبقى المباح على حاله الأصلي من جواز الفعل والترك وذلك إذا لم يكن وسيلة إلى أمر آخر.
وقد يكون المباح مندوبًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون حرامًا، وذلك حسب تعلقه بغيره .
و النهي عن الشيء نهي عما لا يتم اجتنابه إلا به.
المبحث الثالث: مستندات القاعدة وفروعها.
اتفق الفقهاء على أن الدلالة فيه على الوجوب من جهة اللزوم لا من جهة اللفظ حيث أن اللفظ لا تعرض فيه للمقدمات لكن وجوبها من جهة دلالة الإلزام.
وقد خالفهم مجموعة من المعتزلة في ذلك فقد نقل عن إمام الحرمين قوله :" "الأمر بالصلاة على اقتضاء الإيجاب يتضمن الأمر بالطهارة لا محالة وقد أنكر ذلك شرذمة من المعتزلة"
المطلب الأول: مستندات القاعدة وأدلتها:
أولاً: قال الله تعالى في شأن المنافقين {وَلَو أَرَادُوا اَلْخُرُوج لأَعًدْوا لَهُ عدّْةً}. فذمهم الله سبحانه وعابهم على عدم فعلهم لما لا يتم الخروج إلا به من أخذ العدة للجهاد فدل ذلك على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يعاقب ويذم تاركه شرعاً.
ثانيا: أن الواجب لا يمكن امتثاله إلا به، فيكون واجباً تبعاً لتحقيق المأمور، ولو لم يجب لسقط الوجوب عن المأمور به بلا دليل ناسخ، وهذا يعود على الأوامر بالترك والإبطال، وحقها السمع والامتثال، فلزم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثالثاً: ان أوامر الشرع ونصوصه منزهة عن النقص والاختلاف فلو كان ما لا يتم الواجب إلا به مندوباً أو مباحاً أو محرماً أو مكروهاً لكان هذا تناقضاً والشريعة منزهة عن ذلك، فلا يكون تحقيق الواجب غير واجب، لأن هذا تناقض باطل، فلزم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
رابعاً: أن التكليف بالمشروط دون الشرط محال، لعدم الإمكان من الجمع بين النقيضين، ولكان مكلفاً بالفعل ولو مع عدمه، فالمشروط يستحيل وجوده عند عدم شرطه.
خامساً: أن من لزمه واجب شرعي ثم فرط في مقدماته اللازمة حتى ضاق الوقت عنها فإنه يأثم، فلو كان تركها مباحاً لما أثم فدل على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يأثم المكلف بتركه فتلك المقدمات لازمة بلزوم الواجب وتابعة له.
المطلب الثاني:ومن فروع هذه المسألة:
1 - إذا اشتبهت أخته بأجنبية اشتباها لا يمكن معه معرفة المحرمة عليه منهما بأي طريق، وجب عليه ترك نكاح الاثنتين. ويؤيده حديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». ولكن لو اشتبهت أخته بنساء قرية لا يحرم عليه النكاح من نساء تلك القرية؛ لأن القاعدة هنا عارضتها قاعدة أخرى وهي قاعدة: «العبرة بالغالب لا بالنادر».
2 - إذا اشتبهت الميتة بمذكاة وجب اجتنابهما معا؛ لأن إحداهما منصوص على تحريمها، والأخرى لا يتم اجتناب الحرام إلا باجتنابها.
3 - إذا أصابت النجاسة طرفاً من ثوبه كالكم ـ مثلا ـ ولم يعرف موضعها، فإنه يغسل ما يتيقن بغسله أنه غسل النجاسة، وحينئذ يكون قد غسل ما وجب غسله بالنص وما لا يتم فعل ذلك الواجب إلا به.
4 - إذا امتنع المدين من سداد الدين وعنده عقار زائد عن حاجة السكنى وجب عليه بيعه لسداد الغرماء، فإن امتنع أجبره القاضي.
5- طهارة المريض:
تختلف أحوال المرضى بالنسبة إلى الطهارة فمنهم من لا يتضرر باستعمال الماء ومنهم من لايصل الماء إلى بعض أعضائه فيتوضأ ويتيمم ومنهم من يتضرر ويمنعه المرض من استعمال الماء فيكون الواجب في حقه التيمم. فما لا يتم الواجب إلا به من توفير تراب عند المريض الذي لا يقدر على الماء، وتوفير الماء لمن لا يتضرر به فما لا تتم الطهارة الواجبة إلا به فهو واجب، والمستشفيات مدعوة إلى مراعاة ذلك وتقديم الخدمات المناسبة لكل مريض في ما تقوم به طهارته وتصح به صلاته من ضمن خدماتها ورعايتها للمرضي. وولي المريض مدعو إلى تعاهد ذلك ورعايته. فالصحة للصلاة وأمور الدين أمر مهم كصحة الأبدان أو أكثر.
6- ما لا يتم تيقن القضاء لمن عليه صلاة فائتة إلا به فهو واجب فمن عليه صلاة نهارية ونسي أي الصلوات هي فيصلي صلوات النهار، لأن ما لا يتم تيقن القضاء إلا به فهو واجب، ومثله لو نسي صلاة من خمس. قال ابن اللحام من علماء الحنابلة. (لو نسي صلاة من خمس فهل يلزمه قضاء الخمس أم لا. المذهب عندنا لزوم قضاء الخمس، وينوي بكل واحدة الفرض، وعليه يلزمه مغرب وفجر ورباعية. بناء على أن نية التعيين لا تشترط".
7- التقيد بأنظمة المرور التي بها حفظ الأرواح والممتلكات واجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والتفريط والتهاون في أنظمة المرور ينتج عنه عواقب وخيمة في الأرواح والأعضاء والسيارات والممتلكات وغيرها. فالتقيد في الوقوف عند الإشارة الحمراء والسير عند الإشارة الخضراء وعدم الوقوف بشكل يهدد سلامة الآخرين والسير المعتدل واجب لحفظ الأرواح وقد عم الخطر في ذلك فلابد من إيقاظ الوعي الشرعي في جميع ما يرتبط بسلامة الناس من خلال الأدلة الشرعية كقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرّحْمَانِ الّذينَ يَمْشُونَ عَلى الارْضِ هَوْناً...} وقوله تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأرضِ مَرَحَاً} وقوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} إلى جانب هذه القاعدة الأصولية المهمة ودلالتها على وجوب الانتباه والمحافظة، فالحاجة إلى زيادة العلم في ذلك وحسن الامتثال كبيرة جداً والله المستعان.
8- ما لا تتم الدعوة إلى الله إلا به فهو واجب لأن في ذلك قياماً بواجب الدعوة إلى الله فيثاب المؤمن على تلك الوسائل التي يتوصل بها إلى المدعوين وتعينه على حسن البلاغ. والوسائل اللازمة للدعوة متجددة فمن طباعة الكتب الإسلامية إلى الاتصال الفردي والاتصال بوسائل الاتصال الحديثة وآخرها الإنترنت مما ينبغي تسخيره لنصرة دين الله ونفع الناس في إبلاغ هدي الله لهم بحكمة وعلم وصبر كما صبر وثابر أنبياء الله عليهم أفضل الصلاة والسلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلغ أتم البلاغ وأكمله، فأرسل الكتب إلى الملوك وأمراء الدنيا دعوة إلى الإسلام فسعد من استجاب له كالنجاشي رضي الله عنه وخسر من خالفه ككسرى وقيصر، والله غالب على أمره ومتم نوره، ولو كره المشركون ولو كره المبطلون والسعيد من سبق إلى فضل الله ولم يتخلف عن ركب الدعوة إلى الله {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} فالوسائل الصالحة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى جزء من عمل الصالحات الذي يتبع ويلازم الدعوة إلى الله.
9- الأدوية النافعة التي ينبني عليها شفاء مرضى المسلمين بإذن الله تعالى يجب توفيرها، لأن ما لا يتم الحافظ على الأرواح والأعضاء إلى به فهو واجب. وكذا توفير الأطباء المهرة في التخصصات المتعددة لأن في ذلك صحة الأبدان بإذن الله تعالى فهو الشافي لا شفاء إلا شفاءه وبذل الأسباب مطلوب شرعاً مع التوكل على الله سبحانه وتعالى.
10- لو بنى بعض المسلمين عمارة، وفيها طابق للمسلمين وطابق لأهل الكتاب، فقدر الله وأصيبت البناية بالزلازل فوقعت البناية بأسرها على كل من فيها من أهل الإسلام ومن أهل الكفر، فيجب على أهل الإسلام تغسيل موتاهم وتكفينهم، والصلاة عليهم، فرأوا رجلاً ميتاً فتحيروا هل هو مسلم أم كافر؟ وتغسيل الميت المسلم واجب، والصلاة عليه واجبة، وهو فرض كفاية إن قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين.
فنقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيغسل الجميع ويكفن الجميع، ويصلى على الجميع إلا من علمنا أنه كافر.
فإن قيل: كيف أصلي على كافر؟ وكيف أدعو لكافر والله قد نهى عن الاستغفار للكافر، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك؟! ف
الجواب
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا يتم تغسيل المسلمين إلا بتغسيل من معهم، فقلنا بوجوب التغسيل لهم جميعاً؛ لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعندما تصلي تنوي أن هذه الصلاة على المسلم فقط.
11- إذا صلى المكلف خلف الإمام، وكان الإمام في الركعة الثالثة، والمشهور أن سترة الإمام سترة للمأموم، فلما سلم الإمام أصبح المأموم منفرداً، فكان يصلي بجانب السارية، والناس يمرون من أمامه فخشي على صلاته من البطلان، بل خشي أن يمر الشيطان من أمامه ويقطع عليه الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فيجب عليه أن يمشي إلى السارية، وهو في صلاته من أجل أن يصلي إلى سترة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة)، وهذا أمر وظاهر الأمر الوجوب، بل قال: (وليدن منها)، وهذا الوجوب لا يتم إلا بالمشي إلى السارية.
وهذا الذي قاله مالك في المدونة، قال رحمه الله: المسبوق إذا قام ليتم صلاته فأصبح منفرداً فله أن يمشي إلى السارية، وهذا الذي طبقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما دخل فوجد رجلاً يصلي منفرداً إلى غير سترة فأخذه بأذنه فجره إلى السارية، وجعلها سترة له.
فهذا تقرير لهذه القاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ويتضح لنا مما سبق بيانه أن قاعدة ( مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب) هي قاعدة مندرجة تحت باب المصالح المرسلة وأدلتها هي نفس أدلة إثبات جواز العمل بالمصالح , لذلك نجد الغزالي يقول" لتحقيق الأخذ بالمصالح المرسلة شروطا ثلاثة وهي. أولا: أن تكون المصلحة ضرورية، أي: ليست حاجية ولا تحسينية، بمعنى أنها تحفظ ضرورة من الضرورات الخمس، أما المصلحة الحاجية والتحسينية فلا يجوز الحكم بمجردها ما لم تقصد بشهادة الأصول؛ لأنه يجري مجرى وضع الشرع بالراي ـ وذلك لا يجوز ـ وإذا أيدت بأصل فهي قياس، وقد ذهب الغزالي في (شفاء الغليل) إلى أن المصلحة تكون: ضرورية أو حاجية، وهي -أي: المصلحة الضرورية ـ تكون من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الخاتمة:
الحمد لله الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء , بعد خوض غمار هذه القاعدة الأصولية الغنية , اتضح لي مدى عمق تأثير هذه القاعدة في الفقه الإسلامي المعاصر , ومدى ضرورتها لمواكبة تطورات العصر , فإن تطبيقاتها لا تنحصر فقط بما أورده الفقهاء القدامى فقط , بل تتعداها لتمس كافة مجالات الحياة التي نعيشها اليوم , من قوانين سير وقوانين حماية الملكية وقوانين أمن المعلومات وغيرها من المستجدات الحديثة والحديثة جدا, والتي ما زال الفقه الإسلامي يرفد الدساتير والقوانين بحلول لها تنسجم مع الرؤية الإسلامية للكون الحياة الإنسان , والتي تؤكد دائما على حتمية صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان وعدم امكانية استبدالها بأي تشريع آخر من صنع الإنسان , وكل ذلك بفضل هذه القواعد الكلية التي يندرج تحتها عدد هائل من الفروع التطبيقية في كافة مجالات الحياة .
تعليقات
إرسال تعليق
علق هنا...