جامعة العلوم الإسلامية العالمية
كلية الشيخ نوح للشريعة والقانون
بحث بعنوان
أثر القرائن في اثبات جريمة الزنا
(دراسة مقارنة )
إعداد: معتز منتصر خطيب السرطاوي
ملاحظة هامة : لا مانع من نسخ أي جزء من البحث بشرط ذكر المؤلف وعنوان البحث ضمن المراجع وإلا ستعتبر سرقة علمية , ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمسائلة القانونيةالمقدمة:
الحمد لله رب العالمين, القائل في كتابه الكريم:" قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , القائل :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن", ولأن الزنا من الكبائر التي توعد الله مرتكبها بالعذاب الشديد , فقد وجب الحذر الشديد في الحديث عنها وعن طرق اثباتها لكي لا يقع الشخص في معصية أخرى وهي القذف , لذلك فإني في هذا البحث أود أن أبين أثر القرائن في اثبات جريمة الزنا.
ومما يدل على أهمية البحث هو أن الزنا كما أسلفت جريمة خطيرة وعقوبتها وخيمة قد تصل الى الرجم إن كان الزاني محصنا – أي متزوج- لذلك وجب على المشرعين سلوك طرق اثبات كثيرة ومتنوعة والنظر في الأدلة والقرائن قبل النطق بحكم الزنا على شخص , وإلا سيقع الشخص في محظور آخر وهو جريمة القذف فقد قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم ﴾ .
ويهدف هذا البحث إلى بيان أمور عدة متعلقة بالعنوان تعلقا وثيقا : كبيان المقصود بالاثبات وبيان مشروعية القرائن وأنواعها وشروطها وبيان مفهوم جريمة الزنا وحكمها وحكمة تحريمها وبيان طرق اثبات جريمة الزنا بالفقه الاسلامي وبيان أثر القرائن في اثبات جريمة الزنا.
وقد اعتمدت في هذا البحث عدة مناهج : فبالمنهج الوصفي: قمت بتوضيح مفهوم الإثبات ومفهوم القرائن من بطون كتب اللغة ومن كتب الفقه والقانون لبيان المعنيين اللغوي والشرعي والقانوني وبالمنهج الاستقرائي: تتبعت أقوال العلماء القدامى والمعاصرين في حجية الاثبات بالقرائن وبينت أقوال الفقهاء في المسائل التي فيها خلاف .
خطة البحث
وقد قمت بتقسيم البحث إلى فصلين رئيسيين.
الفصل الأول : القرائن والإثبات
المبحث الأول:مفهوم القرائن والاثبات لغة واصطلاحا
المبحث الثاني: مشروعية القرائن واقسامها وشروطها
الفصل الثاني: جريمة الزنا
المبحث الأول: مفهوم الزنا لغة واصطلاحا.
المبحث الثاني : أدلة تحريم الزنا والحكمة من تحريمه
المبحث الثالث: أثر القرائن في اثبات الزنا في الفقه الإسلامي وفي القانون.
المطلب الأول: وسائل اثبات جريمة الزنا في الفقه الإسلامي وحجية القرائن في اثباتها.
المطلب الثاني: وسائل اثبات جريمة الزنا بالقانون.
المبحث الرابع: عقوبة الزاني وشروط إقامة الحد عليه.
المطلب الأول: شروط اقامة الحد على الزاني
المطلب الثاني: عقوبة الزاني في الفقه الاسلامي
المطلب الثالث: عقوبة الزاني في القانون الأردني.
النتائج والتوصيات
الفصل الأول : القرائن والإثبات
أود قبل البدء في هذا الفصل أن أنوه إلى أنني سأكتفي بذكر الأقوال الراجحة والمعاني المتفق عليها دون التطرق الى الخلافات التي لن تضيف اضافة كبيرة للبحث , ولأن بحثي منصب على جزئية مهمة ينبغي التركيز عليها في الفصل الثاني بإذن الله.
المبحث الأول:مفهوم القرائن والاثبات لغة واصطلاحا
أولا: مفهوم القرائن : إن القرينة تفيد معنى الجمع بين الأشياء، ومعنى المصاحبه والملازمة، ومن خلال ذلك يمكننا أن نستنبط معنى آخر للقرينة، وهو الدلالة على الشيء، حيث القرين يدل على قرينه؛ لشدة الملاصقة بينهما، تللك الملاصقة الناشئة عن الجمع بينهما، ومصاحبة كل منهما للآخر يقول ابن فارس : إن الفعل قرن يدل على المصاحبة، حيث يُقال للزوجة إنها قرينة فلان؛ لمصاحبتها إياه على الدوام، وكذلك يُقال للصديق قرين، لملازمته لصديقه باستمرار، ونفس الشخص يقال لها قرينة، لأنها تدل على صاحبها، حيث هي ملازمة لشخصه.
وبالنسبة للتعريف الشرعي للقرينة فقد عرفها الدكتور الزحيلي : هي كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً فتدل عليه, وبنفس المعنى عرفها الدكتور مصطفى الزرقا ايضا, وعرفها الجرجاني بأنها “أمر يشير إلى المطلوب“.
ثانيا : تعريف الإثبات : إقامة الدليل إمام القضاء بطرق الشريعة الإسلامية على حق أو واقعة ترتيب عليها آثار، أو بمعنى أخر هو إقامة الدليل عل ى ثبوت ما يدعيه قبل المدعى عليه وهو فعل يصدر من المدعى يبرهن بموجبه على صدق دعوا ه. وعرفه الإمام الجرجاني بأنه الحكم بثبوت شيء آخر.
الإثبات ـ بالمعنى القانوني ـ هو إقامة الدليل أمام القضاء ، بالطرق التي حددها القانون ، على وجود واقعة قانونية ترتبت آثارها.
المبحث الثاني: مشروعية القرائن واقسامها وشروطها
أولا: مشروعية القرائن: انقسم الفقهاء المسلمين الى فريقين في اعتبار القرائن وسائل اثبات أم لا وكان لكل فريق منهم أدلته .
الفريق الأول الذي يرى أن القرائن وسائل اثبات استدلوا بقوله تعالى:(وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).و قد “استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها، وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص”.
وقوله تعالى: "وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ": ففي الآية السابقة يمتن المولى عز وجل على عباده بأن جعل لهم علامات مادية يهتدون بها، ومنها النجوم التي كان يهتدي بها المسافرون في أسفارهم، فإذا كان الشرع قد رضي هذه العلامات والقرائن في الأمور المادية المحسوسة فمن باب أولى أن تكون القرائن دلائل على الأمور الخفية.
وفي قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ .فوجه الدلالة من الآية الكريمة: جعل الله تعالى في الآية السابقة القرء علامة وقرينة على عدم الحمل، ومن هنا يُستدل على أن القرينة معتبرة شرعاً، ويصح الإثبات بها.
ومن السنة استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله قال: “كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما! فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى“, يظهر من خلال نص الحديث أن نبيّ الله سليمان عليه السلام قد قضى بين المتخاصمتين اللتين لا تملكان بينة على دعواهما بالقرائن، حيث اعتمد على خوف المرأة الصغرى على الطفل من الموت عند شقه بالسكين، وهذا دليل على أنها أمه بالفعل؛ حيث الأم أكثر شفقة على ابنها ورحمة به، ولا يمكن أن تتركه للموت حتى ولو بالتخلي عنه لامرأة غيرها، وبالتنازل عن حقها فيه.
ثم قالوا بأن عدم العمل بالقرائن يؤدي إلى ضياع الحقوق، وخصوصاً عند فقدان البينات الأخرى أو تعارضها، وهذا الأمر مخالف لمقصد الشرع من حفظ حقوق الناس وعدم ضياعها، ويساعد المجرمين على استلاب حقوق الناس، ويسهل لهم الاعتداء عليها، وخصوصاً إذا علموا أن لا بينة لصاحب الحق على حقه.فقد جاء عن النبي قوله: “البينة على المدعي …“، حيث يقرر النبي في هذا النص أن على مدعي الحق أن يثبته بالنبيّنة؛ والبيّنة هي اسم لك ما يبين الحق ويظهره، والقرينة من هذا القبيل، فإن الحق قد يثبت بها ويظهر، وعليه يتقرر كونها وسيلة من وسائل الإثبات المشروعة.
الفريق الثاني الذي يرى بأن القرائن ليست وسيلة اثبات يقول: فإن القرائن وإن كانت قوية من حيث الظاهر قد يظهر بعد ذلك الأمر على خلافها، ويتطرَّق إليها الاحتمال، وتدور حولها الشبهات، وقد يترتب على الحكم بها الظلم والمفسدة، وهذا لا يجوز شرعًا؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم لمسلم مخرجًا، فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يُخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)).
واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة، لرجمتُ فلانة؛ فقد ظهر منها الريبة في منطقها، وهيئتها، ومن يدخل عليها)).وجه الاستدلال بالحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقم الحد على المرأة بناءً على الظاهر، وهذا دليل واضح على عدم اعتماده صلى الله عليه وسلم القرينة وسيلة من وسائل الإثبات.
يظهر لنا بعد تتبع الأدلة والمناقشات رجحان قول من قال باعتبار القرائن وسائل إثبات , وهذا قول الجمهور من علماء المسلمين , وقد عمل به الكثير من العلماء والفقهاء والقضاه في مواطن كثيرة في كتبهم وأما القوانين الحديثة المستمَّدة من الفقه الإسلامي،فقد مالت إلى اعتماد القرائن، وسيلةً من وسائل إثبات الحقوق؛ ومن ذلك القانون المدنيُّ الأردني، وحسب نص المادة (72) منه، وقانون المعاملات المدنية الإماراتيُّ وحسب نص المادة (112)، والتي حدَّدت وسائل الإثْبات، على النحو الآتي: الكتابة والشهادة والقرائن والمُعايَنة والخِبرة والإقرار واليمين.
ثانيا : أقسام القرائن: تنقسم القرائن باعتبارت مختلفة إلى مجموعة من الأقسام:
1 ـ فباعتبار مصدرها تنقسم إلى قرائن منصوص عليها في القرآن والسنة، وقرائن قررها الأئمة المجتهدون، وقرائن استنبطها القضاة.
2 ـ وباعتبار العلاقة بينها وبين ما تدل عليه تنقسم إلى قرائن عقلية، وقرائن عرفيه.
3 ـ وباعتبار قوة دلالتها على الحق تنقسم إلى قرائن دات دلالة قوية، وقرائن ذات دلالة ضعيفة، وقرائن ملغية.
القسم الأول: ما كان مصدره القرآن والسنة:
لقد ذكرنا عند حديثنا على مشروعية القضاء بالقرائن مجموعة من نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة التي حملت بين ثناياها مجموعة من القرائن التي قُصد منها الاستدلال على أمور قد خفيت على الناس، وإضافة إلى ما ذكرت هناك، فإنني سأحاول هنا الاقتصار على بعض النصوص من القرآن والسنة زيادة في التأكيد على ما ورد سابقاً، ولبيان كيف يكون النص الشرعي من القرآن والسنة مصدراً للقرائن، وإليك الأمثلة على ذلك:
أولاً: من القرآن الكريم: قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ، حيث امتدح الله تعالى كل من ينظر إلى الأمارات والعلامات ويستدل منها على ما خفي عليه، فالمتوسمون هم الذين يتعرفون على الأشياء من سماتها؛ أي علاماتها
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله فسأله عن اللقطة فقال: “اعرف عفاصها، ووكاءها ثم عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك بها"
هذا الحديث يبين أن لمالك اللقطة الذي ضاعت منه أن يقبضها من الملتقط إذا ذكر الأمارات والقرائن التي تدل على ملكيته لها، مثل ذكره لما تربط به، وللوعاء الذي يحفظها، أو جنس هذه اللقطة أو نوعها، ويظهر أن هذا الحديث قد كان مصدراً لهذه القرينة.
و قد تُعرض على القضاة جملة من القضايا التي تخفى فيها بعض الأمور على القاضي، ذلك لعدم وجود بينة مع المتداعين، أو لأن البينة الموجودة تخالف ظاهر الحال، ومن هنا فإن القاضي يحاول أن يستبط من خلال القضية المعروضة عليه وما يحيط بها من ظروف وملابسات بعض القرائن التي يتوصل من خلالها إلى ما خفي عليه من أمور، ومن ثم تساعده في الفصل في هذه القضية.
وهذه القرائن لا تنضبط بقاعدة، فهي تختلف باختلاف القضاة المجتهدين، وتختلف باختلاف أنواع القاضيا المعروضة عليهم.
تقسيم القرائن باعتبار علاقتها بمدلولها: وتنقسم القرائن بحسب هذا الاعتبار إلى:
1 ـ قرائن عقلية. وهذه هي القرائن التي تكون العلاقة بينها وبين ما تدل عليه ثابتة ومستقرة ولا تتغير، ويقوم العقل باستنتاجها في جميع الظروف والأحوال
2 ـ قرائن عرفيه: وهنا يكون العرف أو العادة هو الذي يحدد العلاقة بين القرينة وبين مدلولاتها، وبطبيعة الحال فإن هذا يختلف باختلاف أعراف الناس وعاداتهم، فلا تستطيع أن تجزم بأن للقرينة من هذا النوع نفس الدلالة في كل المجتمعات، نظراً لاختلاف العادات.
تقسيم القرائن باعتبار قوة دلالتها: وتنقسم القرائن بحسب هذا الاعتبار إلى:
1 ـ قرائن ذات دلالة قوية. وهي القرائن التي لا يشك أحد في دلالتها؛ لشدة وضوحها وقربها من اليقين
2 ـ قرائن ذات دلالة ضعيفة: هذا النوع من القرائن دون سابقه في القوة؛ ذلك لأنه لا يمكن معه استبعاد غيره من الاحتمالات، ويكون هذا في الترجيح عند التنازع على الملك إذا كان كل من المتنازعين يضع يده على محل النزاع
3 ـ قرائن ذات دلالة ملغية. ويكون ذلك عن تعارض القرائن، مع كون واحدة منهما أقوى من الأخرى، فيحكم بناء على الأقوى، وتلغى القرينة الضعيفة.
ثالثا: شروط اعتبار القرائن وسيلة من وسائل الاثبات : لقد قدم الفقهاء شروطا كثيرة منها ما اتفقوا عليه ومنها ما اختلفوا عليه , ولكنهم اتفقوا على أن تكون دلالتها قطعية فمن من شروط القرينة ان تكون دلالتها قطعية بحيث تقارب من اليقين أما اذا كانت ضعيفة فلا يعول عليها امام القضاء وثانيا: أن لا يعارض القرينة قرينة أخرى أو دليل آخرلأن من شروط العمل بالقرينة ايضا انتفاء المعارض من قرينة اخرى او دليل اخر فإن وجد معارض فلا يعمل بالقرينة , ونقصد بالدليل الآخر هنا الشهادة أو الإقرار , وثالثا: أن يكون المرجع في تقديرها الى الحاكم : فلا بد من اعتبار القرائن التي يقدره الحاكم إذ انه ينبغي فقط ان يعول عليها , لأنه ينبغي أن يكون فقيها عالما حكيما .
وقد اشترط آخرون شروطا أخرى كوجود أمر ثابت ليكون اساسا لاعتماد الاستدلال منه لوجود صفات وعلامات فيه ولتوافر الأمارات عليه , وأيضا : أن توجد صلة بين الأمر البادئ الظاهر وبين الأمر المجهول في عملية الاستنباط وذلك باستخراج المعاني من النصوص والوقائع بالتأمل والتفكير .
الفصل الثاني: جريمة الزنا
المبحث الأول: مفهوم الزنا لغة واصطلاحا.
وكلمة زنا في اللغة : فهي مشتقة من فعل زنا، زنوا أي ضاق أما لغة وزنى علیه تزنیة نسبه أي ضیق، ووعاء زنى أي ضیق، وزنى یزني بمعنى فجر، و ازني مزناة وزناء بمعنى نسبه إلى الزنا وهو ابن زنا.
آراء الفقهاء في تعريف الزنا: عريف الزنا عند المالكية هو:انتهاك الفرج المحرم بالوطء المحرم في غير الملك ولا شبهة الملك. ويعرفه ابن رشد وهو فقيه مالكي بأنه :كل وطئ وقع على غير نكاح صحيح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين -تعريفه عند الشافعية هو :وطء مكلف عامد عالم بالتحريم في قبل محرم لعينه مشتهى طبعا مع الخلو من الشبهة. ويعرفه الشيرازي الإمام الشافعي *بأنه وطء رجل من أهل دار الإسلام امرأة محرمة عليه من غير عقد ولا شبهة عقد ولا ملك وهو عاقل مختار عالم بالتحريم تعريفه عند الحنابلة هو: تغييب حشفة ذكر بالغ عاقل في احد الفرجين ممن لا عصمة بينهما ولا شبهة.ويعرفه الأحناف : تعريفاً مطولاً يبين ضوابط الزنا الموجب للحد، فقالوا: هو الوطء الحرام في قُبل المرأة الحية المشتهاة في حالة الاختيار في دار العدل، ممن التزم أحكام الإسلام، الخالي عن حقيقة الملك، وحقيقة النكاح، وعن شبهة الملك، وعن شبهة النكاح، وعن شبهة الاشتباه في موضع الاشتباه في الملك والنكاح جميعاً.
ويظهر لنا من تعريف الزنا ما يلي : أن الوطء: فعل معلوم وهو إيلاج فرج في فرج بقدر الحشَفة. فالوطء الذي يجب به الحد أن يغيب الحشفة في الفرج، فلا يجب الحد بأدنى من ذلك كالمفاخذة والتقبيل.
الحرام: أي الوطء الحاصل من الشخص المكلف (أي العاقل البالغ). أما وطء غير المكلف كالصبي والمجنون فلا يعتبر زنا موجباً للحد؛ لأن فعلهما لا يوصف بالحرمة، لكونهما غير مكلفين، بقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يُفيق» السابق ذكره.
في قبل: أخرج بذلك الوطء في الدبر في الأنثى أو الذكر، فإنه لايسمى زنا عند الإمام أبي حنيفة، بخلاف الصاحبين والشافعية والحنابلة والمالكية.
المرأة: أخرج وطء البهيمة؛ لأنه أمر نادر ينفر منه الطبع السليم كما تقدم.
الحية: أخرج وطء الميتة؛ لأنه أمر نادر، كما ذكر.
المشتهاة: لا يحد واطئ غير المشتهاة كالصغيرة التي لم تبلغ حداً يشتهى؛ لأن الطبع السليم لا يقبل هذا.
حالة الاختيار: يجب أن يكون الواطئ مختاراً، سواء أكان رجلاً أم امرأة موطوءة، فلا يحد المكرَه على الزنا. وقد اتفق العلماء على أنه لا حد على المرأة المكرهة على التمكين من الزنا، لقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ومااستكرهوا عليه».
في دار العدل: أي في دار الإسلام؛ إذ لا ولاية لولي الأمر على دار الحرب أو دار البغي.
ممن التزم أحكام الإسلام: أي المسلم أو الذمي وهو احتراز عن الحربي، فإنه لم يلتزم أحكام الإسلام.
الخالي عن حقيقة الملك: هذا القيد لإخراج وطء المملوكة بملك اليمين، مثل وطء الجارية المشتركة والمجوسية والمرتدة والمكاتبة والمحرمة برضاع أو صهرية أو جمع ، حتى وإن كان الوطء حراماً وعلم بالحرمة. والصحيح عند الشافعية أن من ملك ذات رحم محرم، فوطئها، لا حد عليه؛ لأنه وطء في ملك، فلم يجب به الحد، كوطء أمته الحائض. وكذا من وطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره، لا يجب عليه الحد.
الخالي عن حقيقة النكاح: هذا قيد آخر لإخراج وطء المرأة بملك النكاح، مثل وطء الزوجة الحائض أو النفساء، أو الصائمة، أو المُحرمة في الحج، أو التي ظاهر منها زوجها أو آلى منها، فلا يجب الحد وإن كان الوطء حراماً، لقيام ملك النكاح
شبهة الملك: إذا قامت شبهة في ملك أو نكاح، فلا يجب الحد؛ لقوله عليه السلام: «ادرؤوا الحد بالشبهات»
شبهة النكاح: أي شبهة العقد بأن وطئ الرجل امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير ولي، أو بنكاح مؤقت وهو نكاح المتعة، فلا يجب الحد وإن كان الواطئ يعتقد التحريم، لاختلاف العلماء في جواز عقد النكاح بغير شهود، أو بغير ولي، أو تأقيت العقد، والاختلاف يورث شبهة. وإذا تزوج إنسان من محارمه بسبب نسب أو رضاع أوصهارة موجبة لتحريم مؤبد، أو جمع بين أختين أو عقد على خمس أو تزوج معتدة الغير، وحصل وطء بموجب العقد، فلا حد عليه عند أبي حنيفة والثوري وإن علم بالحرمة، لكن عليه التعزير؛ لأنه وطء تمكنت الشبهة منه بسبب وجود صورة المبيح، وهو عقد النكاح، فلم يوجب الوطء حداً.
وقال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبين من الحنفية: يجب الحد في كل وطء حرام على التأبيد؛ لأن النكاح باطل بالإجماع، ولا عبرة بشبهته؛ لأنها شبهة فاسدة، وما ليس بحرام على التأبيد، كالمحرم بالصهرية مثل أخت الزوجة، أو المختلف في تحريمه، كالنكاح بغير شهود: لا يوجب الحد.
المبحث الثاني : أدلة تحريم الزنا والحكمة من تحريمه
أولا: أدلة تحريم الزنا:
من القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانً ﴾
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾
فالآيات السابقة يبين الله فيها أن من صفات عباده المؤمنين عدم الإشراك به، وعدم قتل النفس المحرمة، وأنهم يحفظون فروجهم عن الفواحش، وحذر من أنه من يقدم على هذه الفواحش فإن مصيره الخلود في العذاب المضاعف المهين، مالم يرفع ذلك بالإيمان، والعمل الصالح، والتوبة الصادقة، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾.
من السنة النبوية
إن الزنا من أعظم الذنوب بعد الشرك بالله، فقد قرنه الله بالشرك، وقتل النفس، لما فيه من إضاعة الأنساب، وانتهاك الحرمات، وإشعال العداوة والبغضاء بين الناس، من إفساد كل منهم امرأة صاحبه، أو ابنته، أو أخته، وفي ذلك خراب للعالم، ولهذا كان الزاني المحصن من الثلاثة الذين أحل الله دماءهم، روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". وقد توعده النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".
وروى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان فكان كالظلة فإذا انقلع رجع إليه الإيمان".
وفي صحيح البخاري، في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الطويل، وفيه: جاء جبريل وميكائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، وأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا (أي صاحوا من شدة حره) فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة، والزواني".
ولذلك أخذ النبي صلى الله عليه وسلم البيعة من أصحابه على أن لا يقعوا في هذه الفاحشة، روى البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا" الحديث.
ثانيا: الحكمة من تحريم الزنا:
لا بد أن كل عاقل متفكر متبصر سيصل الى نتاجات تتعلق بالحكمة من تحريم جريمة شنيعة كجريمة الزنا , كاختلاط الانساب او استباحة الحرمات وغيرها , سنورد بعض الحكم التي استنبطها العلماء من تحريم الزنا .
1. موافقة هذا التحريم للفطرة التي فطر الله الناس عليها ، من الغَيْرة على العِرْض ، وبعض الحيوانات تغار على عرضها ، فقد ثبت عن عمرو بن ميمون الأودي قال : رأيت في الجاهلية قرداً زنا بقردة ، فاجتمع القرود عليها ، فرجموها حتى ماتت! .
فإذا كان القرد يغار على عرضه ، ويستقبح الزنا ، فكيف لا يغار الإنسان على عرضه ؟
فأي رجل يقبل أن يجعل زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته متاعاً للناس وسلعة مجانية ، فقد رضي لنفسه أن ينزل عن مرتبة بعض الحيوانات ، كما يوجد الآن في بعض البلاد الغربية ما يسمونه بـ "نوادي تبادل الزوجات" !!
2. المنع من اختلاط الأنساب ، فمن أباح الزنا فإنما يبيح إدخال ما ليس من صلبه في أسرته وعائلته ، فيشارك أفراد الأسرة في الميراث وهو ليس منهم ، ويعاملهم معاملة المحارم وهو ليس محرماً لهم .
3. المحافظة على الأسرة والحياة العائلية فإن الزنا يُفسد البيوت ويدمرها ، فإذا اتخذ الزوج عشيقة ، أو اتخذت الزوجة عشيقاً ، فلا شك أن ذلك سيدمر الأسرة ويشتتها .
4. الحماية من الأمراض ، التي هي عقوبة ربانية على انتشار تلك الفاحشة ، ولا يخفى ما تعانيه كثير من الشعوب الإباحية من أمراضٍ خطيرة ، كالزهري والسيلان ، والإيدز الذي أفنى ملايين الناس ، وما يزال الملايين مصابين به ، ففي عام 1427 هجري ، الموافق 2006 م بلغ عدد المصابين بهذا المرض : 45 مليوناً ، وقد مات بسببه : 20 مليوناً، وحوالي 301 مليوناً نتيجة لأسباب مرتبطة بذلك المرض .
ويعتبر الإيدز السبب الرئيس للوفاة في أفريقيا ، والسبب الرابع للوفاة على مستوى العالم.
فأي عاقل يرضى بانتشار هذه الأمراض في المجتمعات؟
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا) .
وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم .
5. المحافظة على كرامة المرأة ؛ فإن إباحة الزنا يعني سلب المرأة كرامتها ، وجعلها سلعة مهانة ، والإسلام جاء لإكرام الناس ، وبخاصة المرأة ، بعد أن كانت في الجاهلية متاعاً يورَث ، ومحلاًّ للإهانة والتحقير .
6. المنع من انتشار الجرائم ، فالزنا من أسباب انتشار جرائم القتل وكثرتها ، فقد يقتل الزوج زوجته وعشيقها ، وقد يقتل الزاني زوج معشوقته أو من ينازعه عليها ، وقد تقتل المرأة من زنى بها ، إن كان قد زنا بها بالإكراه مثلاً .
قال ابن القيم – رحمه الله - :"ولمَّا كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد ، وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب ، وحماية الفروج ، وصيانة الحرمات ، وتوقي ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس ، من إفساد كل منهم امرأة صاحبه ، وبنته ، وأخته ، وأمه ، وفي ذلك خراب العالم : كانت تلي مفسدة القتل في الكبَر ، ولهذا قرنها الله سبحانه بها في كتابه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سننه ، قال الإمام أحمد : " ولا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزنا " ، وقد أكد سبحانه حرمته بقوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيما)
فقرنَ الزنا بالشرك ، وقتل النفس ، وجعل جزاء ذلك : الخلود في النار في العذاب المضاعف المهين ، ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة ، والإيمان ، والعمل الصالح ، وقد قال تعالى : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) ، فأخبر عن فُحشه في نفسه ، وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه حتى استقر فحشه في العقول ، حتى عند كثير من الحيوانات" انتهى .
المبحث الثالث: أثر القرائن في اثبات الزنا في الفقه الإسلامي وفي القانون.
المطلب الأول: وسائل اثبات جريمة الزنا في الفقه الإسلامي وحجية القرائن في اثباتها.
أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار أو بالشهادة، ولا تثبت حدود الله تعالى كالزنا والسرقة والمحاربة والشرب بعلم القاضي حالة القضاء أو قبل القضاء ولا بالقرائن ؛ لأنها تدرأ بالشبهات ويندب سترها.
أما الحكمة من اشتراط الحجة لإيقاع العقوبة فواضحة، وهي أن من تمام حكمة الله ورحمته أنه لم يأخذ الجناة بغير حجة، كما لم يعذبهم في الآخرة إلا بعد إقامة الحجة عليهم، وجعل الحجة التي يأخذهم بها إما منهم: وهي الإقرار أو ما يقوم مقامه من إقرار الحال، وهو أبلغ وأصدق من إقرار اللسان، فإن من قامت عليه شواهد الحال بالجناية كرائحة الخمر وقيئها، ووجود المسروق في دار السارق، وتحت ثيابه، أولى بالعقوبة، ممن قامت عليه شهادة على إخباره عن نفسه التي تحتمل الصدق والكذب. وهذا متفق عليه بين الصحابة، وإن نازع فيه بعض الفقهاء.
وإما أن تكون الحجة من غير الجناة: وهي البينة، واشترط فيها العدالة، وعدم التهمة. وهما شرطان توجبهما العقول والفطر السليمة ويحققان المصلحة.
وجعل الصحابة الحمل علامة على الزنا وقد أخذ بذلك المالكية وابن القيم، أما الحنابلة فقالوا: تحد الحامل بالزنا، وزوجها بعيد عنها، إذا لم تدّع شبهة، ولا يثبت الزنا بحمل المرأة وهي خلية لا زوج لها. ولم يأخذ الحنفية والشافعية بإثبات الزنا بالقرائن.
أما البينة: فهي شهادة أربعة رجال، ذكور، عدول، أحرار، مسلمين، على الزنا بأن يقولوا: رأيناه وطئها في فرجها، كالميل في المُكحُلة، على حد تعبير الفقهاء.
أولا: الشهادة
والشروط التي اشترطها الفقهاء لقبول الشهادة هي :
1- عدد الأربع في الشهود في حد الزنا لقوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} فإذا شهد ثلاثة، وقال الرابع: رأيتهما في لحاف واحد، ولم يزد عليه: يحد الثلاثة عند الحنفية حد القذف، ولا حد على الرابع؛ لأنه لم يقذف. وإن شهد شهود دون أربعة في مجلس الحكم بزنا حدوا بالاتفاق حد القذف؛ لأن عمر حد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا.
2 - التكليف: أي البلوغ والعقل، فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين.
3 - الذكورة: فلا تقبل شهادة النساء بحال، تكريماً لهن؛ لأن الزنا فاحشة.
وأما الإحصان فيثبت بشهادة الرجال مع النساء عند الحنفية ما عدا زفر.
4 - العدالة: فلا تقبل شهادة الفاسق ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقاً. فإن شهد أربعة بالزنا وهم فساق، أو ظهر أنهم فساق لم يحدوا حد القذف؛ لأن الفاسق من أهل الأداء والتحمل، وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق.
5 - الحرية: فلا تقبل شهادة العبيد.
6 - الإسلام: فلا تقبل شهادة أهل الذمة لعدم تحقق عدالتهم.
7 - الأصالة: فلا تقبل الشهادة على الشهادة، ولا كتاب القاضي إلى القاضي، لتمكن الشبهة في وقوع الجريمة، والحدود لا تثبت مع الشبهات.
8- اتحاد المشهود به: وهو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد، في مكان واحد وزمان واحد.
9 - اتحاد المجلس: أي أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة. فإن جاؤوا متفرقين واحداً بعد واحد لا تقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف، لقول عمر رضي الله عنه: «لو جاؤوا مثل ربيعة ومضر فرادى لجلدتهم» أي أن المراد اتحاد المجلس عند أداء الشهادة. وهذا عند الحنفية، وأما بقية الفقهاء فلم يقولوا بهذا الشرط.
10 - أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يتصور منه الوطء، فلو كان مجبوباً لاتقبل شهادتهم، ويحدون حد القذف.
11 - أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة، فإن كان أخرس، لم تقبل شهادتهم، إذ قد يدعي الشبهة لو كان قادراً.
12 - عدم التقادم من غير عذر ظاهر: وهو شرط في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر كما تقدم. ومعناه ألا تمضي مدة بعد مشاهدة الجريمة وأداء الشهادة، منعاً من التهمة وإثارة الفتنة، إذ أن أداء الشهادة بعد مضي مدة من غير عذر ظاهر، يدل على أن الضغينة هي الحاملة على الشهادة.
13 - بقاء الشهود على أهليتهم حتى يقام الحد: فلو ماتوا، أو غابوا، أو عموا، أو ارتدوا، أو خرسوا، أو ضربوا حد القذف قبل إقامة الحد، أو قبل أن يقضى بشهادتهم، سقط الحد؛ لأن هذه العوارض لو اقترنت بالشهادة منعت من قبولها، فكذلك إذا اعترضتها بعدئذ ، ويحد الباقي حد القذف؛ لأن الشهود حينئذ أقل من أربعة، ومتى كانوا أقل حدوا حد القذف. وقال الشافعية والحنابلة: لا تؤثر هذه العوارض بعد أداء الشهادة.
ثانيا : الإقرار
الوسيلة الثانية لإثبات جريمة الزنا وهي الإقرار
شروط الإقرار عامة
1 - البلوغ: فلا يصح إقرار الصبي في شيء من الحدود؛ لأن فعل الصبي لا يوصف بكونه جناية.
2 - النطق: وهو أن يكون الإقرار بالخطاب والعبارة، دون الكتابة أو لإشارة، فلا يكفي الإقرار من الأخرس، لا بالكتابة ولا بالإشارة، لأن الشرع علق وجوب الحد بالبيان المتناهي، والبيان لا يتناهى إلا بالصريح.
وقال الشافعية: يكفي في ثبوت الحد إشارة الأخرس بالإقرار بالزنا.
3 - الاختيار أو الطواعية: فلا يقبل إقرار المكره في الحدود والأموال.
شروط الإقرار في الحدود خاصة
1 - تعدد الإقرار: أي كون الإقرار مكرراً أربع مرات في حد الزنا خاصة، بأن يقر أربع مرات على نفسه مع كونه بالغاً عاقلاً، طلباً للتثبت في إقامة الحد، ولأن ماعزاً أقر أمام الرسول صلّى الله عليه وسلم أربع مرات. وهذا هو مذهب الحنفية والحنابلة.
وقال المالكية والشافعية: يكفي في وجوب الحد إقرار واحد مرة واحدة ؛ لأن من المستبعد كذب الإنسان على نفسه، واعترافه بما يوجب الحد، ولأن الإقرار إخبار، والخبر لا يزيد رجحاناً بالتكرار، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلم في قصة العسيف: «اغد يا أنيس ـ رجل من أسلم ـ إلى امرأ ة هذا، فإن اعترفت فارجمها» كما سبق ذكره. واعترفت الغامدية بالزنا، فقال لها الرسول عليه الصلاة والسلام: «ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال: وما ذاك؟ قالت: إنها حبلى من الزنى، قال: أنتِ؟ قالت: نعم، فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك» ونحوهما من الأحاديث.
2 - تعدد مجالس الإقرار بالزنا: وهو أن يقر في أربعة مجالس متفرقة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام اعتبر اختلاف مجالس ماعز، حيث كان يخرج من المسجد في كل مرة، ثم يعود، ومجلسه عليه الصلاة والسلام لم يختلف، وهذا هو مذهب الحنفية.
وقال جمهور العلماء: يكفي أن يكون الإقرار في مجلس واحد.
3 - أن يكون الإقرار بين يدي الإمام أو القاضي: وإلا لم يعتبر؛ لأن إقرار ماعز كان عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإن شهد شهود على إقرار شخص أربع مرات في مجالس مختلفة أمام من ليس له إقامة الحد، فلا يقبل القاضي هذه الشهادة؛ لأن الزاني إن كان منكراً، فقد رجع عن الإقرار، وإ ن كان مقراً، فلا عبرة لشهادة مع الإقرار.
4 - الصحو في الإقرار بالزنا والسرقة والشرب والسكر: فإذا أقر شخص وهو سكران، لم يصح إقراره.
5- أن يكون الإقرار بالزنا ممن يتصور منه الزنا: فإن كان لا يتصور كالمجبوب لفقدان آلته، لم يصح إقراره، أما لو كانت آلته موجودة كالعنِّين والخصي، فيصح إقراره، لوجود الآلة عنده.
6 - أن يكون المزني به ممن يقدر على ادعاء الشبهة بأن كان ناطقاً: فإن لم يقدر كأن تكون المزني بها خرساء، أو المزني به أخرس، لم يصح إقراره، لجواز ادعائه وجود عقد النكاح، أو إنكار الزنا.
ويجب التنويه هنا الى ان الإقرار حجة قاصرة: إذا أقر أحد الشريكين في الوطء بالزنا وأنكر الآخر، وجب على المقر الحد ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال في قصة العسيف: «على ابنك جلد وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» وروى سهل بن سعد الساعدي أن رجلاً أقر أنه زنى بامرأة، فبعث النبي صلّى الله عليه وسلم إليها، فجحدت، فحد الرجل.
تقادم الإقرار: اتفق العلماء على أن التقادم لا يؤثر في الإقرار بالزنا؛ لأن الإنسان غير متهم على نفسه. وعلى هذا فيقبل الإقرار بالزنا بعد مدة .
ثالثا : حجية القرائن في إثبات حد الزنا في الشريعة.
آراء الفقهاء في العمل بالقرينة في الحدود:
اختلف الفقهاء في هذا على رأيين:
الرأي الأول: يرى المالكية اعتبار القرائن في الحدود، ويوافقهم على هذا الرأي ابن القيم الفقيه الحنبلي المشهور وروى الحنابلة رواية عن أحمد تقول بوجوب الحد بوجود رائحة الخمر من فم شخص، ومع أنهم ذكروا رواية عن أحمد تقول إنه لا يحد بالسكر أو بتقايؤ الخمر، لاحتمال أن يكون مكرها، أو لم يعلم أنها تسكر، إلا أن ابن قدامة قال: "ورواية أبي طالب عنه "أي: عن أحمد" في الحد بالرائحة تدل على وجوب الحد ههنا بطريق الأولى". لأن ذلك لا يكون إلا بعد شربها، فأشبه ما لو قامت البينة عليه بشربها.
الرأي الثاني: يرى الحنفية، والشافعية، والحنابلة عدم اعتبار القرائن وسائل إثبات في الحدود
أدلة الفريق الأول:
أولا- أولا: ما روي عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: كان فيما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، والرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.
ثانيا: ما روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: يا أيها الناس إن الزنا زناءان: زنا سر، وزنا علانية، فزنا السر أن يشهد الشهود فيكون الشهود أول من يرمي، وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف فيكون الإمام أول من يرمي.
ثالثا: ما روي عن علقمة بن وائل الكندي عن أبيه، أن امرأة خرجت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تريد الصلاة، فتلقاها رجل، فتجللها فقضى حاجته منها، فصاحت، فانطلق ومر عليها رجل فقالت إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا، ومرت بعصابة "أي: جماعة" من المهاجرين فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا، فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها، وأتوها به فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فلما أمر به ليرجم قام صاحبها الذي وقع عليها فقال: يا سول الله أنا صاحبها، فقال لها: "اذهبي فقد غفر الله لك"، وقال للرجل قولا حسنا، وقال للرجل الذي وقع عليها "ارجموه"، وقال: "لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم".
أدلة القائلين بعدم العمل بالقرائن في الحدود:
أولا: ما رواه ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها، وهيئتها، ومن يدخل عليها".
ثانيا: ما رواه ابن عباس قال: شرب رجل فسكر، فلقي يميل في الفج2، فانطلق به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم، فضحك وقال: "أفعلها؟ ولم يأمر فيه بشيء"."..
ثالثا: ما روي عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله،فإن لإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة".
رابعا: إقامة الحد إضرار بمن لا يجوز الإضرار به، وهو قبيح من الناحية العقلية والشرعية، فلا يحوز منه إلا ما أجازه الشارع كالحدود والقصاص وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين؛ لأن مجرد الحدس، والتهمة، والشك، مظنة للخطأ والغلط، وما كان كذلك فلا يستباح به تأليم المسلم وإضراره بلا خلاف.
ومما سبق يغلب على الظن عدم العمل بالقرائن في الحدود، ومن أقوى الأدلة على ذلك أن القرينة مبنية على الشبهة والحدود تدرأ بالشبهات.
المبحث الثاني: وسائل اثبات جريمة الزنا بالقانون وحجية القرائن في اثبات جريمة الزنا.
جاء في المادة المادة (283 ( من قانون العقوبات رقم 16/1960 وجميع تعديلاته والمعدل بآخر قانون رقم 8/2011 لأدلة التي تقبل وتكون حجة لإثبات جريمة الزنا هي ضبط الزاني والزانية في حالة التلبس بالفعل أو أن يصدرعنهما اعتراف قضائي أو وثائق قاطعة بوقوع الجريمة أو أن يصدر عن أحدهما اعتراف قضائي وعن الآخر وثائق قاطعة بوقوع الجريمة.
على هذا، فلا يمكن إدانة الرجل باشتراكه في الزنا الا بتوافر أي دليل من الأدلة الأربعة الآتية :
أولا : التلبس
ثانيا : الاعتراف
ثالثا : الأوراق المكتوبة
نصت المادة 276 عقوبات على أن التلبس يعد دليلا ضد شريك الزوجة الزانية ، بيد انه يجب التفرقة بين التلبس الوارد في المادة 276 عقوبات وبيت التلبس الوارد في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية
تنص المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية على انه (تكون الجريمة متلبسا بها حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة .
وتعتبر الجريمة متلبسا بها إذا اتبع المجني عليه مرتكبها أو تبعته العامة مع الصياح أثر وقوعها أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقا أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك )
فالهدف من التلبس الوارد في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية هو تحديد سلطة مأموري الضبط القضائي ، اما التلبس في المادة 276 عقوبات فالهدف منه تحديد دليل إثبات يتميز بقوة خاصة لتفادى الدعاوى الكيدية في موضوع يتصل بالسمعة .
إذن فالمقصود من التلبس في المادة 276 عقوبات هو أن يشاهد الشريك في ظروف لا تدع مجالا للشك عقلا أن الفعل الذي تقوم به الجريمة قد وقع فعلا ، بمعنى انه يجب أن يرى الشريك في حالة يستحيل على العقل والمنطق أن يسلم أن الفعل الذي تقوم به الجريمة لـم يرتكب
ويمكن أن يعد من قبيل التلبس بالزنا أن تضبط الزوجة وعشيقها وهما راقدان في فراش واحد ، أو أن تضبط الزوجة في منزل عشيقها في ساعة متأخرة من الليل وملابسها غير منتظمة ، أو مفاجأة الزوجة وعشيقها في حجرة أغلقاها من الداخل وامتنعا عن فتح بابها عندما طلب منها ذلك ، وضبط الزوجة شبه عارية في غرفة النوم في حين كان عشيقها بملابس النوم راقدا في فراشها ، وضبط العشيق ليلا في منزل الزوجية مختبئا تحت السرير خالعا حذاءه في حين لم يكن يستر الزوجة شئ غير ملابس النوم ، وضبط الزوجة وعشيقها وهما بغير سراويل وقد وضعت ملابسهما الداخلية بعضهما بجوار بعض ، وضبط الشريك مختبئا تحت السرير ونصفه الأسفل عار وهو يمسك بملابسه ، وضبطه في غرفة النوم المخصصة للأبناء يحاول ارتداء بنطلونه ،
ب- الاعتراف: المقصود بالاعتراف هنا هو اقرار المتهم على نفسه بالتهمة المسندة الیه، لا اعتراف الزوجة الزانیة لان اعترافها على نفسها وعلى شریكها یعتبر حجة علیها دون شریكها، وبـالرغم مـن ان الاعتـراف هـو دلیـل الاثبات الاول غیر انـه یخـضع لتقـدیر القاضـي شـان اي دلیـل اخـر سـواء صـدر فـي مجلـس القـضاء ام خارجه، حیث یتعین ان یؤخذ بحذر شدید فـي جریمـة الزنـا، فقـد یعتـرف المـتهم تحـت تـأثیر دوافـع معینـة كتجنب المسؤولیة عن جریمة اخرى یهمه كتمان أمرها، او تخلیص الفاعل الحقیقـي بحكـم صـلة القرابـة او الصداقة او یفدي ولي نعمته، وقد یكـون الباعـث علیـه الحـصول علـى حكـم بـالطلاق، فالقاضـي هـو الذي یتبین قیمة الاعتراف بالمطابقة بینه وبین باقي الادلة.
ج- وجود مكاتیب او اوراق صادرة من الشریك: وهي تلك الاوراق المحـررة بخـط یـد الـشریك والتـي یـستفاد منهـا ارتكابـه الفعـل الـذي تقـوم بـه جریمـة الزنـا ولـو لـم تكـن موقعـة منـه، ولا یـشترط ان تتـضمن هـذه الاوراق اعترافـاً صـریحاً بوقـوع الفعـل بـل یكفـي ان یـستخلص منـه عقـلاً مـا یفیـد وقوعهـا والامـر متـروك لتقـدیر القاضـي، ویتعـین صـدور هـذه الاوراق مـن الشریك نفسه فلا یغني عنها اوراق مـن الزوجـة او وجـود صـور فوتغرافیـة تجمـع بینهـا وبـین عـشیقها فـي وضع مریب اذ ان هذه لا تدخل في عداد الاوراق والمكاتیب الصادرة من الشریك.
وتضيف بعض القوانين كالقانون المصري والفلسطيني - وجود الشریك في منزل مسلم في المحل المخصص للنساء: یعتبر وجود شریك الزوجة في منـزل مـسلم وفـي المحـل المخـصص للحـریم- كالجنـاح الـداخلي او غرفـة النوم- من الادلة التي تقبل في الاثبات علیه وقد اخذ المشرع بعین الاعتبار عادات المسلمین في منع غیر المحرم من الدخول الى المحل المخصص للحریم.
يمكننا بعد عرض أدلة إثبات جريمة الزنا بالقانون , أن نخلص الى النقاط التالية
أن جريمة الزنا في القانون متعلقة بالأزواج فقط ولا يوجد هنالك قانون يجرم الممارسة الجنسية بين غير المتزوجين ,
يبدأ البحث عن أدلة إثبات جريمة الزنا في حال شكوى أحد الزوجين على الآخر فقط , فيما عدا ذلك لا يبحث عن أدلة إثبات , وإن لوحظت بعض الأدلة فلا يمكن مباشرة التحقيق في الواقعة من قبل الجهات المختصة إلا بشكوى من زوج الزانية أو زوجة الزاني ,
ثم لاحظنا أن القانون اعتمد في اثبات جريمة الزنا إلى وسائل الإثبات التالية : الاعتراف , والمكاتيب , والتلبس , وتضيف بعض القوانين وجود الشريك في منزل مسلم في محل مخصص للنساء , ولم يتطرق القانون إلى الإثبات بالشهود , بينما اعتمد الفقه الإسلامي على الإشهاد ,
ونلاحظ أيضا أن ما يتحدث عنه القانون من طرق اثبات كالمكاتيب و وجوده في مكان مخصص للنساء , هي من قبيل الإثبات بالقرائن , فيمكننا الاستنتاج الى أن القانون يثبت جريمة الزنا بالقرائن .
المبحث الرابع : عقوبة الزاني واقامة الحد عليه
المطلب الأول: شروط إقامة الحد على الزاني
لا حد على الزاني والزانية إلا بشروط، منها متفق عليه، ومنها مختلف فيه، وهي عشرة:
الأول ـ أن يكون الزاني بالغاً، فلا يحد الصبي غير البالغ بالاتفاق.
الثاني ـ أن يكون عاقلاً، فلا يحد المجنون بالاتفاق، فإن زنى عاقل بمجنونة أو مجنون بعاقلة، حد العاقل منهما.
الثالث ـ أن يكون مسلماً، في رأي المالكية، فلا يحد الكافر إن زنى بكافرة ولكنه يؤدب إن أظهره، وإن استكره مسلمة على الزنا قتل، وإن زنى بها طائعة نكَّل به وعزر. وقال الجمهور: يحد الكافر حد الزنا، لكنه لا يرجم المحصن عند الحنفية، وإنما يجلد. ولا حد للزنا وشرب الخمر عند الشافعية والحنابلة على المستأمن؛ لأنه حق لله تعالى، ولم يلتزم بالعهد حقوق الله تعالى.
الرابع ـ أن يكون طائعاً مختاراً، واختلف الفقهاء في أنه هل يحد المكره على الزنا، فقال الجمهور: لا يحد، وقال الحنابلة: يحد، كما بان في التعريف. ولا تحد المرأة إذا استكرهت على الزنا أو اغتصبت.
الخامس ـ أن يزني بآدمية، فإن أتى بهيمة فلا حد عليه باتفاق المذاهب الأربعة في الأصح عند الشافعية، ولكنه يعزر، ولا تقتل البهيمة ولا بأس بأكلها عند الجمهور، وتقتل بشهادة رجلين على فعله بها، ويحرم أكلها ويضمنها عند الحنابلة.
السادس ـ أن تكون المزني بها ممن يوطأ مثلها، فإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها، فلا حد عليه ولا عليها عند الحنفية. ولا تحد المرأة إذا كان الواطئ غير بالغ. وقال الجمهور: يحد واطئ الصغيرة التي يمكن وطؤها، وإن كانت غير مكلفة لصدق حد الزنا عليه دونها كالنائمة والمجنونة.
السابع ـ ألا يفعل ذلك بشبهة (انتفاء الشبهة) فإن كان الوطء بشبهة، سقط الحد، مثل أن يظن بامرأة أنها زوجته أو مملوكته، فلا حد عند المالكية والشافعية، ويجب الحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف والحنابلة، وهذه هي شبهة الفاعل. وكذلك لا يحد بالاتفاق من وطئ بعد وجود نكاح فاسد مختلف فيه، كالزواج دون ولي أو بغير شهود، وذلك بسبب شبهة العقد. فإن كان الزواج فاسداً بالاتفاق، كالجمع بين الأختين، ونكاح خامسة، ونكاح ذوات المحارم من النسب أو الرضاع، أو تزوج في العدة، أو ارتجاع من طلاق ثلاث دون أن تتزوج غيره، أو شبه ذلك، فيحد فيما ذكر كله، إلا أن يدعي الجهل بتحريم المذكور كله، ففيه قولان عند المالكية.
الثامن ـ أن يكون عالماً بتحريم الزنا، فإن ادعى الجهل به، وهو ممن يظن به الجهل، ففيه قولان عند المالكية لابن القاسم وأصبغ، والراجح أنه لا يحد الجاهل والغالط والناسي، كمن نسي طلاق امرأته.
التاسع ـ أن تكون المرأة غير حربية في دار الحرب أو دار البغي، وهذا عند الحنفية كما تقدم، أما المذاهب الأخرى، فيحد من وطئ حربية ببلاد الحرب أو دخلت عندنا بأمان.
العاشر ـ أن تكون المرأة حية فلا يحد عند الجمهور واطئ الميتة ويحد في المشهور عند المالكية، كما سيأتي بيانه.
ويشترط أيضاً تحقيق معنى الزنا وهو تغييب حشفة أصلية في قبل امرأة كما تقدم، أما الوطء في الدبر أو اللواط، فلا يوجب الحد وإنما يوجب التعزير عند أبي حنيفة، ويوجب الحد كحد الزنا مكرراً أو محصناً عند سائر المذاهب ومنهم الصاحبان، لكن يرجم اللائط والملوط به مطلقاً بشرط التكليف عند المالكية. وأما من وطئ أجنبية غير محرم فيما دون الفرج، كتفخيذ وتبطين، فيعزر اتفاقاً؛ لأنه فعل منكر ليس فيه شيء مقدر شرعاً. ويشترط كذلك أن يكون الوطء في دار الإسلام، فلا حد على من وطئ في دار الحرب، كما تقدم.
المطلب الثاني: عقوبة الزاني في الفقه الإسلامي:
أولا. حد الزاني البكر غير المحصن: حد الزاني البكر هو الجلد، لقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}. وقال المالكية: لا يحد الكافر الذمي والحربي حد الزنا؛ لأن وطأه لا يسمى زنا شرعاً، فيكون الإسلام شرطاً عندهم لهذا الحد، واختلف العلماء في النفي، فهل يجمع بين الجلد والتغريب على الزاني البكر.
قال الحنفية: لا يضم التغريب أي النفي إلى الجلد؛ لأن الله تعالى جعل الجلد جميع حد الزنا، فلو أوجبنا معه التغريب. كان الجلد بعض الحد، فيكون زيادة على النص، والزيادة عليه نسخ، ولا يجوز نسخ النص بخبر الواحد، ولأن التغريب تعريض للمغرّب على الزنا، لعدم استحيائه من معارفه وعشيرته.
فالنفي عندهم ليس بحد، وإنما هو موكول إلى رأي الإمام، إن رأى مصلحة في النفي فعل، كما أن له حبسه حتى يتوب.
وقال الشافعية والحنابلة: يجمع بين الجلد والنفي أو التغريب عاماً، لمسافة تقصر فيها الصلاة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً: البكر بالبكر جلد مئة، وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مئة والرجم» إلا أن الشق الثاني من هذا الحديث غير معمول به عند هؤلاء وغيرهم، بل الواجب على المحصن الرجم فقط للأحاديث الآتية الواردة في الرجم، ولكن لا تغرب المرأة وحدها بل مع زوج أو محرم لخبر: «لا تسافر المرأة إلا ومعها زوج أو محرم».
وقال المالكية: يغرب الرجل سنة، أي يسجن في البلد التي غرب إليها، ولا تغرب المرأة خشية عليها من الوقوع في الزنا مرة أخرى بسبب التغريب.
قال الشوكاني: والحاصل أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائداً عن القرآن، فليس لهم معذرة عنها بذلك، وقد عملوا بما هو دونها بمراحل.
وبهذا يظهر أنه لا يجمع بين الجلد والرجم بالاتفاق بين المذاهب الأربعة.
ثانيا.عقوبة الزاني المحصن:
اتفق العلماء ما عدا الخوارج على أن حد الزاني المحصن هو الرجم، بدليل ما ثبت في السنة المتواترة وإجماع الأمة، والمعقول أما السنة فكثير من الأحاديث: منها قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» ومنها قصة العسيف الذي زنى بامرأة، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لرجل من أسلم: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها».
وقصة ماعز التي وردت من جهات مختلفة، فقد اعترف بالزنا فأمر الرسول عليه السلام برجمه. وقصة الغامدية التي أقرت بالزنا فرجمها الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد أن وضعت.
وأجمعت الأمة على مشروعية الرجم، ولأن المعقول يوجب مثل هذا العقاب؛ لأن زنا المحصن غاية في القبح، فيجازى بما هو غاية من العقوبات الدنيوية .
المطلب الثالث: عقوبة الزنا في القانون الأردني لعام 2010م.
جاء في المادة 282-عقوبة الزانية وشريكها
1 -تعاقب المرأة الزانية برضاها بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
2- ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوج وإلا فالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة.
وفي المادة 283-عقوبة الزوج الزاني: يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة إذا ارتكب الزنا في منزل الزوجية أو اتخذ له خليلة.
وجاء في المادة 285- في عقوبة السفاح
السفاح بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو بين الأشقاء والشقيقات والأخوة
والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعاً من الأصهرة أو إذا كان لأحد المجرمين
على الآخر سلطة قانونية أو فعلية يعاقب عليه بالحبس من سنتين إلى ثالث سنوات.
وجاء في الباب السابع في الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة الفصل الأول في الاعتداء على العرض, المادة 292- عقوبة الاغتصاب: من واقع بالاكراه أنثى (غير زوجه) يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان المعتدى عليها لم تتم الخامسة عشرة من عمرها.
النتائج والتوصيات:
الحمد لله رب العلمين , الرحمن الرحيم , والصلاة والسلام على سيدنا محمد ابن عبد الله , وعلى آله وصحبه اجمعين , ثم أما بعد:
نستطيع بعض استعراض الفصول السابقة أن نخلص الى النتائج التالية والتي سأذكرها على شكل نقاط زيادة في التوضيح.
القرينة هي الدلالة على الشيء، حيث القرين يدل على قرينه؛ لشدة الملاصقة بينهما، تللك الملاصقة الناشئة عن الجمع بينهما، ومصاحبة كل منهما ولا يبتعد المعنى الشرعي عن ذلك كثيرا إذ أنها كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً فتدل عليه.
والقرائن ثابتة بالكتاب والسنة والمعقول ومعمول بها في القانون .
وكلمة زنا في اللغة : فهي مشتقة من فعل زنا، زنوا أي ضاق وعرفها الفقهاء بتعريفات متقاربة : تدل كلها على انتهاك الفرج المحرم بالوطء المحرم في غير الملك ولا شبهة الملك .
والزنا جريمة وكبيرة محرمة شرعا وقانونا وأخلاقيا , والأدلة على ذلك كثيرة , والحكمة من تحريمها كبيرة أهمها صون المجتمعات عن الانحراف والضياع.
ان وسيلة اثبات جريمة الزنا بالفقه الاسلامي مقتصرة على الإقرار و الإشهاد , ولا يعمل بالقرائن لإثبات جريمة الزنا
وسائل اثبات جريمة الزنا بالقانون منها أصيل كالإقرار , ومنها غير ذلك كالمكاتبة و التلبس و والوجود في منزل مسلم في مكان مخصص للنساء.
عقوبة الزنا في السلام في حال ثبوت الجريمة محددة لغير المحصن بالجلد و للمحصن بالرجم .
عقوبة الزنا في القانون لا تخرج عن الحبس ولكن تختلف المدة باختلاف بعض الظروف كالزنا في منزل الزوجية مثلا.
نلاحظ وجود فوارق كبيرة بين الفقه الإسلامي والقانون فيما يتعلق بجريمة الزنا من حيث الإثبات أو العقوبة .
تعليقات
إرسال تعليق
علق هنا...