حق المرأة في التعليم (دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والتشريعات الدولية)

 


جامعة العلوم الإسلامية العالمية

كلية الشيخ نوح للشريعة والقانون


بحث بعنوان 

حق المرأة في التعليم 

(دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والتشريعات الدولية)


إعداد ا: أ.معتز منتصر خطيب السرطاوي

ملاحظة هامة : لا مانع من نسخ أي جزء من البحث بشرط ذكر المؤلف وعنوان البحث ضمن المراجع وإلا ستعتبر سرقة علمية , ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمسائلة القانونية









المقدمة:

  الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه 

أما بعد:

 فإني أود في هذا البحث أن أتناول عنوان (حق المرأة في التعليم دراسة مقارنة بين الفقه الاسلامي والقوانين الدولية) من ناحية المفاهيم والمستندات والتاريخ والمقارنة بينها.

أولا: أهداف البحث: 

  1. بيان مفهوم الحقوق 

  2. بيان مفهوم و تاريخ حقوق الانسان

  3. بيان موجز عن نشوء حقوق المرأة .

  4. بيان تاريخ حق المرأة في التعليم والتعلم في الشريعة الاسلامية

  5. بيان الضوابط الشرعية لطلب المرأة العلم او ممارسة مهنة التعليم.

  6. عقد مقارنة بين الفقه الاسلامي والقانون الدولي واتفاقية سيداو فيما يتعلق بحق المرأة في التعليم.


ثانيا: أهمية البحث:

تنبع اهمية البحث من أهمية المرأة في بناء المجتمعات وإنشاء أجيال قادرة على بناء مستقبل الأمة , وهذا الدور الذي لا يمكن اغفاله للمرأة أجبر المشرعين وفقهاء القانون على وضع تشريعات تكفل للمرأة حرية تلقي التعليم و ممارسة مهنة التعليم .

ثالثا: منهجية البحث:

اعتمدت في هذا البحث عدة مناهج 

فبالمنهج الوصفي: قمت بتوضيح مفهوم الحق و حقوق الانسان  من بطون كتب اللغة ومن كتب الفقه والقانون لبيان المعنيين اللغوي والشرعي والقانوني  وبالمنهج الاستقرائي: تتبعت أقوال العلماء القدامى والمعاصرين وفقهاء القانون ونصوص الاتفاقيات الدولية  وبالمنهج الاستنباطي توصلت من الغوص في أعماق النصوص الشرعية والقانونية الأحكام المتعلقة بحق المرأة في التعليم, وبالمنهج المقارن عقدت مقارنة بين النصوص الشرعية وبين الاتفاقات الدولية لبيان وجوه الاتفاق والافتراق بينهما.


خطة البحث

المبحث الأول: مفهوم الحقوق وانواعها 

المطلب الأول: الحقوق لغة

المطلب الثاني: الحقوق اصطلاحا

المطلب الثالث: حقوق الانسان 

المبحث الثاني: حقوق المرأة

المطلب الأول:  لمحة عامة عن وضع المرأة قبل الاسلام 

المطلب الثاني: النظرة الإسلامية للمرأة .

المطلب الثالث: موجز عن نشوء حقوق المرأة

المبحث الثالث : حق المرأة في التعليم في الشريعة الاسلامية والمواثيق الدولية

المطلب الاول: الضوابط الشرعية على حق المرأة في التعليم

المطلب الثاني: حق المرأة في المشاركة في المجامع العلمية في الشريعة الاسلامية

المطلب الثالث: حق المرأة في ممارسة مهنة التعليم والتدريس في الشريعة الاسلامية

المطلب الرابع: حق المرأة في التعليم  في المواثيق الدولية والدساتير

 المطلب الخامس :خلاصات ونتاجات البحث بعقد المقارنة بين الفقه الاسلامي والقوانين والمعاهدات الدولية.

المبحث الأول: مفهوم الحقوق وتصنيفاتها وخصائصها ومصادرها.

المطلب الأول تعريف الحقوق في اللغة

الحق في اللغة يشير إلى حق الشيء إذا ثبت ووجب, فأصل معناه لغويا هو الثبوت والوجوب, وكذلك فأن الحق يطلق على المال والملك الموجود الثابت، ومعنى حق الشيء وقع ووجب بلا شك"

       ويرى (ابن منظور) أن الحق نقيض الباطل، ويستعرض استعمالات جديدة تدور حول معاني الثبوت والوجوب والأحكام والتحقيق والصدق واليقين".

       وذكر (الجرجاني) في تعريفه الحق أنه الثابت الذي لا يسوغ إنكاره ، ومن معاني الحق في اللغة : النصيب ، الواجب ، اليقين ، وحقوق العقار" .


المطلب الثاني: تعريف الحقوق اصلاحا

(سلطة إرادية للفرد ، أو هو مصلحة يحميها القانون أو هو انتماء (اختصاص ) إلى شخص يحميه القانون ) . وينظر باحث آخر إلى الحق بأنه : ( يعني السلطات التي يمكن لصاحبها أن يمارسها بالنسبة لهذه القيمة ومحل الحق فالقيمة هي التي تثبت لصاحب الحق) , فحينما يدرك الناس أن لهم قوة وحرية إرادة ويشعروا إن لهم سلطة كاملة على حقوقهم المختلفة لممارستها والإفصاح عنها بكل حرية من اجل تحقيق مصالحهم الخاصة , عندها يكون الإنسان قادرا فعلا على تحقيق مصالحه الشخصية وحمايتها من خلال مباشرته لتلك السلطة  , أي أن الحق يعني كل ما يوجب لشخص على غيره بإقرار الشرع أو القانون سواء كان هذا الشخص (طبيعيا ) أم (معنويا) , وينبغي أن يتصرف بما يوجب له الحق بحرية لتحقيق المصلحة سواء كانت عامة أم خاصة .

ويمكن القول إن ( الحق مصلحة تثبت لإنسان أو لشخص طبيعي أو اعتباري، أو لجهة أخرى، والمصلحة هي المنفعة، ولا يعد الحق حقا إلا إذا قرره الشرع والدين أو القانون والنظام والتشريع والعرف). 

         أما تعريف الحق عند فقهاء القانون (ما يجوز فعله ولا يعاقب على تركه، فصاحب الحق له أن يستعمل حقه أو لا يستعمله ، فإذا استعمله فلا حرج عليه وان تركه فلا إثم عليه ) . 

وهناك من يعرف كلمة (الحقوق ) جمع ( حق ) بأنها : ( مجموعة الامتيازات التي يتمتع بها الأفراد والتي تضمنها بصورة أو بأخرى السلطات العامة أو تلك التي تستحق الضمان) وقيل هو : ( رابطة قانونية بمقتضاها يخول القانون شخصا من الأشخاص على سبيل الانفراد والاستئثار للتسلط على شيء , أو اقتضاء أداء معين من شخص آخر ، وقيل الحق هو قدرة أو سلطة إدارية يخولها القانون شخصا معينا  يرسم حدودها ، وقيل إن الحق مصلحة يحميها القانون )

المطلب الثالث: تعريف حقوق الإنسان:

ليس هناك اتفاق على مصطلح واحد لحقوق الإنسان، بل هناك مصطلحات عدة تستخدم للدلالة عليها، منها: حقوق الإنسان"،  "الحقوق الإنسانية"، "حقوق الشخصية الإنسانية”، ولكن أكثر المصطلحات شيوعاً منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، هو مصطلح "حقوق الإنسان"، كما اختلف الباحثون في تعريفاتهم لحق الإنسان فنجد تعريف السيد فودة  لحقوق الإنسان بأنها: " تلك الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، لمجرد كونه إنسان، وهذه الحقوق يُعترف بها للإنسان بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته أو أصله العرقي أو القومي أو وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي، وهي حقوق طبيعية يملكها الإنسان حتى قبل أن يكون عضواً في مجتمع معين فهي تسبق الدولة وتسمو عليها”.

وعرفتها ليا ليفين Leah Levin بأنها "مطالب أخلاقية أصيلة وغير قابلة للتصرف مكفولة لجميع بني البشر بفضل إنسانيتهم وحدها، فُصِّلَتْ وصيغت هذه الحقوق فيما يعرف اليوم بحقوق الإنسان، وجرت ترجمتها بصيغة الحقوق القانونية وتأسست وفقاً لقواعد صناعة القوانين في المجتمعات الوطنية والدولية، وتعتمد هذه الحقوق على موافقة المحكومين بما يعني موافقة المستهدفين بهذه الحقوق”.

كما عرفها جابرال الروي بأنها: ”الحقوق التي تهدف إلى ضمان وحماية معنى الإنسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

خصائص حقوق الإنسان:

  1. حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر فحقوق الإنسان متأصلة في كل فرد.

  2. حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الرأي الأخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي فقد ولدنا جميعا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق فحقوق الإنسان عالمية وعالمية حقوق الإنسان لا تتعارض مع فكرة التنوع الثقافي والخصوصية الثقافية.

  3. حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها فليس من حق احد أن يحرم شخصا أخر من حقوق الإنسان وان لم تعترف بها قوانين بلده أو عندما تنتهكها تلك القوانين فحقوق الإنسان ثابتة وغير قابلة للتصرف.

  4. حقوق الإنسان غير قابلة للتجزؤ.


تصنيفات حقوق الإنسان:

تعددت تصنيفات حقوق الإنسان بتعدد العوامل المعتمدة في تصنيفها و سنعتمد على التصنيف التقليدي الذي يصنف حقوق الإنسان إلى ثلاث أجيال تتمثل في:

الجيل الأول "الحقوق المادية والسياسية": 

و تعرف كذلك بالحقوق السلبية التي يمكن للفرد الاحتجاج بها في مواجهة الدولة التي تملك فقط سلطة وضع الضوابط الخاصة لمباشرة هذه الحقوق، و توصف بأنها شخصية، و من أمثلتها الحق في الحياة، منع التغذية، حرية التعبير و الانتقال… ويسميها بعض الفقهاء بالحريات الأساسية، و يصفونها بالمثالية نشأت في ظل البرجوازية الأوروبية في مكافحتها الإقطاعية، تطورت في ظل الرأسمالية، مؤسسة على قيم فردية بحيث لا يمكن فصل هذا القيم الفردية في تعريف هذا الجيل من الحقوق.

الجيل الثاني" الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية": 

و تتطلب ليس فقط مجرد امتناع الدولة عن عرقلة ممارستها أوإشباعها، بل تلتزم الدولة بالتدخل الإيجابي اللازم لكفالتها، و تعبر عن المساواة المثالية وتختلف فلسفتها تماماً عن تلك التي تقوم عليها حقوق الجيل الأول، فهي مؤسسة على فلسفة اشتراكية اجتماعية، تأخذ بعين الاعتبار الطبقات الاجتماعية الكادحة في المجتمع، حيث تطالب بضرورة توفير الحد الأدنى المعيشي لها، تطبيق هذا النوع من الحقوق يكون تدريجي حسب القدرة الاقتصادية لكل دولة.

الجيل الثالث: "حقوق التضامن”:

و تسمى كذلك بالحقوق الجديدة أو المبرمجة أو الحقوق الجماعية، تختلف عن حقوق الجيلين الأول و الثاني في أن صاحب الحق فيها الشعب أو الجماعة و ليس الفرد كما في الجيلين الأول و الثاني والأساس الذي تقوم عليه، هو إدخال البعد الإنساني إلى مجالات كانت متروكة، و لا يمكن إعمال هذه الحقوق إلا بتضافر جهود كل الفاعلين في اللعبة الاجتماعية، الدول، الأفراد، الكيانات العامة و الخاصة و المجتمع الدولي، لذلك تسمى حقوق التضامن، فهي المجموعة البشرية، و هي تعد ضرورة لتأسيس قانون دولي لصالح الإنسان.


مصادر حقوق الإنسان:

تتعدد مصادر ومنابع حقوق الإنسان  لتشكل هذا التيار الذي يسعى لحماية الإنسان في كل زمان ومكان و يمكن تلخيصها في ما يلي:

الصكوك العالمية: وهي الصكوك  التي تتسع دائرة خطابها لتشمل الأسرة الإنسانية الدولية بأسرها. ومن أمثلة  هذه الصكوك ما صدر ويصدر عن  (الأمم المتحدة)  من إعلانات واتفاقات وعهود لحماية وتطوير حقوق الإنسان، بدءا من ميثاق الأمم المتحدة و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التميز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل وغيرها من الاتفاقيات والمواثيق الأخرى.  فنتيجة عدة حروب وصراعات أهمها  الحربين العالميتين و الفضائع التي ارتكبت فيهما بحق ملايين البشر فقد  كان تأمين احترام حقوق الإنسان من اهم  الأهداف الرئيسية لقيام هذه المنظمة  حيث تحدث ميثاقها  عن ( حق تقرير المصير)  الذي هو أساس لحقوق الإنسان جميعها. كما جاءت أهداف الأمم المتحدة لتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ...".

ويأتي في مقدمة المصادر العالمية  لحقوق الإنسان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948. هذا الإعلان وإن كان ذو طابع أدبي غير ملزم إلا أنه من المستقر عليه  دولياً أن مبادئ هذا الإعلان تدخل في قواعد القانون الدولي العرفي التي استقرت في وجدان وضمير البشر، وتعتبر قواعد دولية آمرة لا يجوز انتهاكها بصرف النظر عن قبول الدول به من عدمه.

المواثيق الإقليمية: وهي تلك المواثيق التي تخاطب نطاقاً إقليمياً محدداً أو مجموعة جغرافية خاصة غالباً ما يجمعها جامع ثقافي متميز عن غيرها رغبة من تلك  المجموعات في التأكيد على الحقوق المنصوص عليها في المواثيق العالمية وإكسابها طابعاً إلزامياً إقليمياً أكثر إلزامية مما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، بالإضافة إلى  تضمين المواثيق الإقليمية حقوقاً جديدة لم تتضمنها المواثيق العالمية استجابة لاعتبارات الخصوصية الثقافية الإقليمية. و تنص هذه المواثيق على مبادئ حقوق الإنسان محل الحماية التي تتفق في مجملها مع المبادئ والمعايير الدولية وإن عكست خصوصية كل مجموعة إقليمية بالتركيز على أنواع معينة من الحقوق. ومن أهم المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان "الميثاق  الأوروبي ، والميثاق  الأمريكي، والميثاق  الأفريقي ثم الميثاق العربي لحقوق الإنسان".

المصادر الوطنية: وهي التشريعات الوطنية التي تنص على مبادئ حقوق الإنسان. وتأتي في مقدمة هذه المصادر الدساتير الوطنية التي لا يخلو أي منها من فصل خاص بالحقوق والحريات الأساسية. وتتوزع مبادئ حقوق الإنسان بين مختلف فروع التشريع العادي. فقانون العقوبات يضع النصوص العقابية التي تجرم انتهاكات حقوق الإنسان وتعاقب عليها. وقانون أصول المحاكمات الجزائية  يتضمن النصوص الخاصة بحقوق وضمانات المتهمين في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة ،وقوانين الأحزاب والمشاركة السياسية وغيرها تتضمن الحق في المشاركة السياسية، وقوانين الجمعيات تنظم حق تكوين الجمعيات، وقوانين المطبوعات والصحافة تنظم الحريات الصحفية وقوانين التعليم والإسكان والرعاية الصحية والنقابات تنظم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .


المبحث الثاني: حقوق المرأة 

المطلب الأول : لمحة عامة عن وضع المرأة قبل الاسلام

لقد شهدت المرأة عبر العصور القديمة، وعبر الحضارات السابقة عدة تطورات، مرت بها في هذا التاريخ الطويل الذي كان تارة يعطيها شيئاً من حقوقها وتارة أخرى لا يمنحها أبسط حقوقها وهو حقها في الحياة ، ولعل كل عصر من عصور التاريخ كان له دولته ورجاله وقوانينه الخاصة بشؤون النظام الاجتماعي الذي كان يسود في زمنه ، وقد احتلت المرأة في بعض العصور مكانة مرموقة وحظيت بشيء من التقدير ، وفي بعضها الآخر لم تحظى بهذه المكانة ، وسنستعرض بشيء من الإيجاز مكانة وأوضاع المرأة عبر العصور القديمة والأزمنة الغابرة ونصوص بعض المشرعين السابقين .

أولا: المرأة عند الفراعنة :

وقد أظهر بعض الكتاب أن المرأة في الحضارة الفرعونية احتلت مكانة متميزة لدى المصري القديم، وتمتعت بحقوق اجتماعية واقتصادية وقانونية وسياسية مساوية للرجل ، فقد تمتعت المرأة المصرية القديمة بأهلية قضائية كاملة، وكان لها استقلالها المالي عن الرجل، وكان بامكانها أن تدير ممتلكاتها الخاصة وتدير الممتلكات العامة، بل وأن تمسك بزمام الأمور في البلاد، ولا يعني ذلك أنها امرأة تجردت من الأنوثة والجاذبية، فقد كانت أيضاً امرأة فاتنة وجذابة، وكان هدف الفتاة أن تختار شريك حياتها بكامل إرادتها وحريتها، وأن تصبح زوجة وأماً صالحة، من دون أن يعني ذلك خضوع النظام الأسري لسيطرة الأم، بل كان نظام يتقاسم فيه الزوجان المسؤوليات المعتادة في إطار الحياة الزوجية حيث يشتركان في السراء والضراء ، وقد شغلت المرأة المصرية العديد من المهن والحرف، مثل منصب قاض ووزير، مثل «نبت » في الأسرة السادسة، كما كانت الفتاة منذ عهد الدولة القديمة تسلك مجال الطب والجراحة ومهنة المولدة بعد أن تتلقى مبادئ العلوم الطبية، وكذلك مهنة المرضعة، وكانت سيدات المجتمع الراقي يشغلن وظيفة إدارة مصانع النسيج الكبرى، كما شغلت المرأة مهنة سيدة أعمال مثال السيدة «نيفر » وكانت صاحبة أرض شاسعة وعقارات مهمة، وكانت هذه السيدة توكل لوكلائها التجاريين في عهد الدولة الحديثة مهمة ترويج المنتجات التي ترغب في بيعها ، ومن أشهر أسماء النساء التي عرفها المصري القديم: الإله حتحور وهي الأم الأولى للآلهة بصفتها «البقرة السماوية » التي ولدتهم وأرضعتهم جميعاً، وهي أيضاً حتحور ربة الحب التي يشبهها الإغريق بإلهتهم «افروديت » ، أما إيزيس فهي أكثر النساء شهرة في التاريخ الفرعوني، بل إنها أحياناً ترمز إلى مصر نفسها، وهي قرينة أوزوريس التي صاحبته وساندته وقامت بعده بنشر عقيدته ، كما يذكر التاريخ للفراعنة أنهم توجوا المرأة المصرية كملكة، فقد كانت الملكة الأم الوصية على العرش تقوم بدور بالغ الأهمية بجانب ابنها، ومن أشهر الملكات اللواتي حظين بمكانة متميزة: الملكة «حتب حرس » زوجة الملك «سنفرو »، وأم الملك «خوفو » وكانت تتمتع بمكانة جليلة، ونفس هذا التبجيل والاحترام قدمه أحمس محرر مصر من الهكسوس لأمه الملكة «راع حتب » التي تولت الوصاية على أحمس ابنها، وحلت مكانه بالعاصمة عند ذهابه للقتال، وأقام أحمس لوحة كبيرة بمعبد الكرنك تبين قدرة هذه الأم والملكة المثالية من أجل تحقيق استمرارية الأسرة بفضل نشاطها وإنجازاتها في مختلف المجالات، لدرجة أنها تمكنت من التوحيد بين جيوش مصر".

ثانيا: المرأة في الجاهلية

ساعدت مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والعسكرية والثقافية على فوزها ببعض المزايا في ذلك العهد ، والمرأة في الجاهلية أي ما قبل الإسلام اشتهرت بالشجاعة ،وكان تعدد الزوجات في الجاهلية بغرض التفاخر والتباهي لأن شيوخ القبائل كانوا يرغبون في التفاخر بأن لديهم عدد كبير من الزوجات والأبناء،وانتشرت في الجاهلية جريمة وأد البنات، فكان يتم قتل البنات بعد الولادة اعتقاداً منهم بأن إنجاب البنات يجلب العار للآباء، وكان الوأد يتمّ في صور قاسية إذ كانت البنت تُدفَن حيّة ! وكانوا يتفنّنون في هذا بشتى الطرق ، فمنهم من كان إذا وُلِدَت له بنت تركها ، حتى تكون في السادسة من عمرها ، ثم يقول لأمّها : «طيِّبيها ، وزيِّنيها ، حتى أذهب بها إلى إحمائها ! » وقد حفر لها بئراً في الصحراء ، فيبلغ بها البئر ، فيقول لها : «انظري فيها » ، ثم يدفعها دفعاً ، ويهيل التراب عليها ، وعند بعضهم ، كانت الوالدة إذا جاءها المخاض ، جلست فوق حفرة ، محفورة ، فإذا كان المولود بنتاً رمَت بها فيها ، وردمتها ، وان كان ابناً قامت به معها ، وبعضهم كان إذا نوى ألاّ يئد الوليدة ، أمسكها مهينة ، إلى أن تقدر على الرعي ، فيلبسها جبّة صوف أو شعر ، ويرسلها في البادية ترعى له إبله، وهناك العديد من القصص التي وردت من الجاهلية عن بطولات وأد البنات منها : أنه روى الدرامي رحمه الله في سننه «أن رجلا آتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان فكنا نقتل الأولاد ، وكانت عندي ابنة لي فلما أجابت وكانت مسرورة بدعائي إذ دعوتها ، فدعوتها يوما فاتبعتني فمررت حتى أتيت بئرا من أهلي غير بعيد فأخذت بيدها فرديت بها في البئر وكان هذا آخر عهدي بها أن تقول :يا أبتاه يا أتاه ، فبكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم – حتى وكف دمع عينيه ، فقال رجل من جلساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أحزنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال له : « كف ، فإنه يسأل عما أهمه » ، ثم قال له : - « أعد علي حديثك »، فأعاده فبكى حتى وكف الدمع من عينيه على لحيته ثم قال له : « إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا فاستأنف عملك » ).

ثالثا: المرأة عند اليهود 

إن منطق الفكر اليهودي بالنسبة للمرأة ينطلق من مسؤولية المرأة عن الخطيئة الأولى والتي جلبت المتاعب للجنس البشري، وضرورة تسلط الرجل عليها واستعبادها، فحقوق المرأة اليهودية مهضومة كلياً في الديانة اليهودية ، وتعامل كالصبي أو المجنون وزوجها له حقوق لا تكاد تقابلها واجبات تتناسب مع ماله من سلطات وسلطان على زوجته ، كما أن تعدد الزوجات كان شائعا غير محدود ويخضع لرغبة الزوج واقتداره ، ولم يعارضه القانون الشرعي أو الوضعي ، وقد أورد الكتاب بعض الأحكام العبرية في قضية الزواج والطلاق منها: سلطة الزوج على الزوجة في أمور التربية وتعليم أمور الدنيا وعليه أن يستعملها في محلها مع الحكمة والاعتدال،مال الزوجة ملك لزوجها وليس لها سوى ما فرض لها من المهر في عقد الزواج تطالب به بعد موته أو عند الطلاق ، وكتب اليهود المقدسة تعتبر المرأة مجرد متعة جسدية ، والمرأة في التلمود وهو الكتاب الثاني من كتب اليهود بعد التوراة يقول : « إن المرأة من غير بني إسرائيل ليست إلا بهيمة لذلك، فالزنا بها لا يعتبر جريمة لأنها من نسل الحيوانات » وكل ما يهدى إليها في عرسها ملك حلال لزوجها يتصرف به كما يشاء بدون معارض، وليس للمرأة أن تطلب الطلاق مهما كانت عيوب زوجها حتى لوثبت عليه الزنا وتتيح الشريعة اليهودية للرجل الحق المطلق في طلاق زوجته دون يود أو شروط متى شاء وكيفما شاء ، ولم يسمح للزوجات أن يطلبن الطلاق ".

ولعل النموذج اليهودي للحجاب هو أكثر النماذج تشدداً أو تخلفاً وأكثرها حجباً للمرأة عن المجتمع حيث أنهم عزلوا المرأة نهائياً عن المشاركة في الحياة الاجتماعية وحملّوها ضريبة قاسية فيما لو فعلت ذلك ، يقول ول ديورانت: «كان في وسع الرجل أن يطلق زوجته إذا عصت أوامر الشريعة اليهودية بأن سارت أمام الناس عارية الرأس أو غزلت الخيط في الطريق العام ، أو تحدثت إلى مختلف أصناف الناس أو إذا كانت عالية الصوت أي إذا كانت تتحدث في بيتها بحيث يستطيع جيرانها سماعها ، ولم يكن عليه  أي الزوج  في هذه الأحوال أن يدفع لها بائنتها ».كما ينقل عن اليهود أنهم إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤكلوا معها، ولم يشاربوها ولم يجامعوها  أي يجتمعوا معها  في البيت .كما ورد في كتاب التثنية فرض زواج المرأة الأرملة من أخ زوجها( إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعاً وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَليْسَ لهُ ابْنٌ فَلا صِرِ امْرَأَةُ المَيِّتِ إِلى خَارِجٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَليْهَا وَيَتَّخِذُهَا لنَفْسِهِ زَوْجَةً وَيَقُومُ لهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ، وَالبِكْرُ الذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أخِيهِ المَيِّتِ لِئَلا يحُميْى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيل "

المطلب الثاني: النظرة الإسلامية للمرأة

لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها. وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة. وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها, وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله-تعالى-وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض,وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها. وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة. وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي وكل ذلك تطفح به الآيات والأحاديث وكتب الفقه , وسنورد فيما يلي لمحات موجزات عن مشاركة المرأة المسلمة في مختلف المجالات إلا أننا سنخصص مطلبا خاصا لحق المرأة في التعليم في المبحث التالي بإذن الله.

حق التملك ومن ذلك الميراث والمهر : ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها. بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاً منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه. قال تعالى:" ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" , ويقول تعالى في شأن المهر "وقال تعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًاوَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا"

حرية التصرف: من حقوق المرأة الراشدة في الإسلام حرية التصرف في مالها فليس لأحد أن يحجر عليها ويمنعها من التصرف فيه سواء كان أبًا أو زوجًا أو غيرهما يقول ربنا تبارك وتعالى ﴿ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أموالهم ﴾فالحجر على اليتيم سواء كان ذكرا أو أنثى يزول ببلوغه ورشده ولا يعود عليه الحجر مرة أخرى إلا بدليل صحيح صريح وهذا لم يوجد في حق المرأة. فيجوز للمرأة أن تتصرف بمالها سواء كان بعوض كالبيع أو بغير عوض كالهدية والصدقة ويحرم التعرض لها أو مضايقتها بسبب ذلك.

فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَبَّ الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا وَكَانَتْ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا مِمَّا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إِلَّا تَصَدَّقَتْ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا فَقَالَتْ أَيُؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ الحديث" فحينما قال ما قال ابن الزبير لخالته عائشة رضي الله عنها هجرته حتى شفع له بعض الصحابة فكلمته وكفرت عن نذرها.

حق الإنفاق عليها: ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها. قال ابن كثير في قوله تعالى :" ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا )." أي : بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهنّ ، من غير إسراف ولا إقتار ، بحسب قدرته في يساره ، وتوسطه وإقتاره "

حق التفريق بينها وبين زوجها  :بل ومن المحاسن-أيضاً-أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق. وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتدفع له شيئاً من المال، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه. قال تعالى "وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"

منع ضربها : ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن نهى الزوج أن يضرب زوجته بلا مسوغ، وجعل لها الحق الكامل في أن تشكو حالها إلى أوليائها، أو أن ترفع للحاكم أمرها؛ لأنها إنسان مكرم داخل في قوله-تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هو تكليف واجب. قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها).

حق الرعاية والصلة : عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ : قَالَ : وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ارْجِعْ فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة

وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) .

وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة ، فأمر بصلة الرحم ، وحث على ذلك ، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ، منها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) وروى البخاري  عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ) .

من قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى علم حقيقة ما قلناه ، بل نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في الإسلام .

ونقول لا داعي لأن نذكر حال المرأة في مجمتع الإغريق أو الفرس أو اليهود ، لكن حتى المجتمعات النصرانية كان لها موقف سيء مع المرأة ، فقد اجتمع اللاهوتيون في "مجمع ماكون" ليبحثوا : هل المرأة جسد بحت أم جسد ذو روح ؟! وغلب على آرائهم أنها خِلْو من الروح الناجية ، ولا يستثنى من ذلك إلا مريم عليها السلام  وعقد الفرنسيون مؤتمرا سنة 586م للبحث في شأن المرأة : هل لها روح أم لا ؟ وإذا كانت لها روح هي روح حيوانية أم روح إنسانية ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان ! ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب , وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارا في عصر هنري الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ "العهد الجديد" لأنها تعتبر نجسة,  والقانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات .

المطلب الثالث: موجز عن نشوء حقوق المرأة

حقوق المرأة هو ذلك الاسم الذي يشتمل على كافة الحقوق الإجتماعية و الإقتصادية و الساسية والقانونية التي تمتلكها النساء بشكل مساو مع الرجال. اكتسب مفهوم حقوق المرأة أهمية خاصه في القرن 19. ويقوم عدد كبير من المؤسسات والمنظمات المختلفة في جميع أنحاء العالم بعمل دراسات من أجل القضاء على كافة المشاكل وأشكال التمييزالتي تواجهها النساء. وعلى رأس المشاكل التي تواجهها النساء ما سنسرده على النحو التالي:

  1. التفرقة العنصريه الموجهة ضد النساء في الحياة العملية والدراسيه.

  2. ترك النساء في جميع أنحاء العالم كخطة ثانية أو حرمانهم من حق التعليم والتعلم.

  3. قيام كثير من الدول بالتفرقة بين النساء و الرجال في إطار التنظيم القانونى. وبالأخص التي تطبق التمييز العنصرى بين النساء في حقوق الميراث و ترتيبات الحقوق المدنية.

  4. الإعتراف بحقوق النساء و إختيار الزوج و الزواج والطلاق و الحقوق المدنية الأساسية الأخرى في كثير من المناطق بالعالم.

  5. لم يتم التخلص حتى الآن في الدول الحديثة من العنف الجسدي و الإضطهاد النفسي ضد المرأة بشكل كامل."

وقد كان هنالك حركاتُ انتفاضة خلال القرن الأخير للرفع من قيمة المرأة خصوصًا في المجتمعات الأوروبية، ولكن بعض هذه الحركات أثرت على مكانة المرأة في العالم بأثره، ومن أبرزها الانتفاضة البريطانية لمشاركة المرأة في حق الانتخاب. 

حيث جاءت اللحظة الفاصلة لحركة الاقتراع النسائية البريطانية قبل 100 عام عندما تم منح قانون تمثيل الشعب الموافقة الملكية من جورج الخامس في 6 فبراير 1918، مما منح حوالي 8.4 مليون امرأة التصويت.

وفي معرض تقديمه لمشروع القانون على خلفية دولةٍ متحدةٍ تخوض الحرب العالمية الأولى، قال وزير الداخلية جورج كايف أن الحرب جمعت الجميع بصفٍ واحدٍ وأزالت سوء الفهم من أعين الرجال ومن كافة الجوانب.

هذا ويُعتبر قانون عام 1918 الذي دافعت الناشطة الشهيرة ميليسنت فوسيت والسياسية إميلين بانكيرست، لحظةً محوريةً لحقوق المرأة وساعد على وضع الأسس للتقدم نحو مزيدٍ من المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن تغيرت نظرة المجتمعات إلى المرأة بشكلٍ كبيرٍ وباتت تماثل الرجل في حقوقها، ورغم ذلك لا يزال هناك تقدمٌ كبيرٌ يجب إحرازه لإنهاء مشاكل الانتقاص والاعتداء التي تتعرض لها المرأة إلى يومنا هذا.

أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد نص صراحة على المبدأ الأساسي في المساواة بين الجنسين حين أكد على أن “جميع الناس يولدون أحرارا ومتساويين في الكرامة والحقوق”، كما جاء في المادة الثانية أن «لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع .» ولهذا فإن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات تقررها المواثيق الدولية الخاصة ومنها العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان . كما لا يجوز مطلقا أن يكون الاختلاف في الجنس سببا في تباين الحماية القانونية أو اختلاف أو إنقاص الحقوق، كما ليس من المقبول مطلقا حرمان المرأة من التعليم أو العمل مثلا بسبب الجنس وإتاحة كامل الفرص للذكور بحجة أن الذكر أقوى أو أقدر أو أكثر إدراكا من الإناث وهي مخالفة للالتزامات الدولية والقيم الإنسانية والتشريعات الأخرى .


وفي السابع من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1967 أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 2263 الخاص بإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة– وهو بيان رسمي دولي للقضاء على سياسة التمييز بين الجنسين  ولابد من الإشارة إلى أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»CEDAW التي تم التوقيع عليها في 18 كانون الأول من العام ) 1979 ( حيث نصت على تعريف التمييز ضد المرأة في الجزء الأول، وركزت في الجزء الثاني منها على مسألة النمطية بين الجنسين، أي تأثير الثقافات والتقاليد في تقييد تمتع النساء بحقوقهن وضرورة القضاء على الأدوار النمطية للجنسين، وعلى نبذ مفهوم الدونية للمرأة، ونبذ مفهوم التفوق لدى الجنس الأخر، كما

طالبت الاتفاقية الدول بمكافحة جميع أشكال الاتجار بالنساء واستغلالهن في الدعارة، وأكدت على الحق في التمتع بالمساواة الكاملة في الحياة السياسية والعامة إلى جانب حق النساء وأطفالهن في التمتع بالجنسية حيث لا يجوز بقاء المرأة والطفل بدون جنسية.


المبحث الثالث : حق المرأة في التعليم في الشريعة الاسلامية والمواثيق الدولية

لم تحظ المرأة في أمة من الأمم بالعناية مثل ما حظيت به المرأة المسلمة، فلقد جاء الإسلام لها بكل خيرية مطلقة في صلاح عقيدتها وخلقها وشريعتها، وحَّدت ربها وأطاعت رسولها وعرفت حق بيتها فدخلت الجنة بذلك. إنه الإسلام الذي رعى كرامتها وحفظ عزتها وجعلها في معالي الأمم سباقة لكل خير دافعة لكل شر، وكان من تلك المجالات عنايته بها في مجال العلم حتى إنه أصبح فريضة عليها مخاطبة في قول الرسول – صلى الله عليه وسلم-: «طلب العلم فريضة على كل مسلم »، وهو خطاب عام لكل أفراد الأمة المسلمة ذكرها وأنثاها، فوجب عليها أن تتعلم ما يلزمها في يومها وليلتها، وما تكون به خالية عن الشرك والمعاصي والآفات والأمراض القلبية، بمعرفة خطورتها وطريقة الشفاء منها، ولا يكون هذا إلا بالعلم والتعلم أولاً".


ولم تعرف البشرية دين ولا مذهب في الحياة دفع الإنسان إلى العلم كما دفعه إليه الإسلام، إنه دفع الإنسان كلِّ الإنسان بشطريه الذكر و الأنثى إلى مجالات العلم المختلفة، وإلى ميادين المعرفة والبحث عن الحقائق، بكل قوة، إعلانًا منه أن الطريق الصحيح إلى معرفة الله والإيمان به، والاستسلام لشرائعه إنما هو طريق العلم. أليس في الآيات التي بدأ الله بها الوحي لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم إعلان قوي لهذه الحقيقة؟ حيث إن أول ما بدء به من الوحي قول الله تعالى لرسوله محمد في سورة العلق: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسْانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأ وَرَبُّكَ الأكَرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقْلَمِ * عَلَّمَ الإنسْانَ ماَ لمَ يعَلْمَ »ْ ) (. إنه لأمر بالقراءة باسم الرب الخالق، الذي خلق الإنسان كل الإنسان بشطريه الذكر والأنثى من علق.

ولما كانت النساء المسلمات في الصدر الإسلامي الأول متلهفات لمعرفة أمور دينهنَّ، وتبين مشكلاتهنَّ الخاصة، فقد تبادرن إلى مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة بهنَّ، فاجتمعن، وأتاهنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم في المواعيد المحددة، فعلمهنَّ مما علمه الله، وب لهنَّ ما ب ،َّني وسألنه عن مسائل وأجابهنَّ صلوات الله عليه. ولما كان في صحابيات الأنصار جريئات في السؤال عمَّا يتعلق بأحوال النساء وخصائصهنَّ، أثنت عائشة أم المؤمنين عليهن بقولها : «رحم الله نساء الأنصار، لا يمنعهنَّ حياؤهنَّ أن يسألن عن أمور دينهن . ولقد بَّوب البخاري – رحمه الله- في صحيحه بأبواب ثلاثة كلها مختصة بتعليم المرأة فقال: «باب تعليم الرجل أمته وأهله » وقال: «باب عظة الإمام النساء وتعليمهن »، وقال: «باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم، وذكر حديث أبي سعيد قالت النساء للنبي – صلى الله عليه وسلم-: «غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك »، ولقد سطر التاريخ نماذج مشرقة لعناية المرأة بالعلم وعناية أهلها بها، فوجد في التاريخ الإسلامي نوابغ من النساء في كافة الفنون والعلوم وتراجمهن حافلة في الكتب، فوجد منهن الفقيهات، والمفسرات، والأديبات، والشاعرات، والعالمات، في سائر علوم الدين واللغة.وكان في برهة من الزمن لا تجهز العروس إلا ومعها بعض الكتب الشرعية النافعة، فذكر – مثلا- الإمام الذهبي إن البكر كان في جهازها عند زفافها نسخة من كتاب المزني، فأي مفخرة لأمة من الأمم أعظم من هذه المفخرة؛ ولذا تبوأت المرأة المسلمة أعلى درجات القيم في الأخلاق والتربية طيلة سلوكها لهذا المسلك الشرعي في التعليم ابتغاء وجه الله بهذا العلم ".

وقد بلغ حرص المسلمات الأوائل على العلم أن طلبن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعقد لهن مجالس خاصة بهن لتعليمهن .فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : » جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : » اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا ، فاجتمعن فأتاهن فعلمهن مما علمه الله » . )رواه البخاري ومسلم( . فالعلم نعمة من الله ونور وهدى يتفضل الله به على من يشاء من عباده وسبب لرفعة أهله وعزتهم في الدنيا والآخرة « يَرْفَعِ ٱ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍ ""

المطلب الاول: الضوابط الشرعية على حق المرأة في التعليم

وأما الهيئة والطريقة التي ينبغي للمرأة أن تكون عليها إذا خاطبت أجنبياً، فقد بيّنها الله عزّ وجلّ بأوضح عبارة في كتابه العزيز، حيث قال عزّ وجلّ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً}، قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبعٌ لهن في ذلك"، قال السدّي وغيره: "يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال؛ ولهذا قال: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}، أي: دغل"، {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً}: قال ابن زيد: "قولاً حسناً جميلاً معروفاً في الخير". ومعنى هذا: أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها ، وجاء في تفسير هذه الآية في (التحرير والتنوير): "فرعٌ على تفضيلهن وترفيع قدرهن؛ إرشادهن إلى دقائق من الأخلاق قد تقع الغفلة عن مراعاتها لخفاء الشعور بآثارها، ولأنها ذرائع خفية نادرة تفضي إلى ما لا يليق بحرمتهن في نفوس بعض ممن اشتملت عليه الأمة، وفيها منافقوها. وابتدئ من ذلك بالتحذير من هيئة الكلام، فإن الناس متفاوتون في لينه، والنساء في كلامهن رِقّة طبيعية، وقد يكون لبعضهن من اللطافة ولين النفس ما إذا انضم إلى لينها الجبلي قربت هيئته من هيئة التدلل؛ لقلة اعتياد مثله إلا في تلك الحالة. والخضوع: حقيقته التذلل، وأطلق هنا على الرِّقة لمشابهتها التذلل، وقوله عزّ وجلّ: {تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}، أي تجعلنه خاضعاً ذليلاً، أي رقيقاً متفككاً. والنهي عن الخضوع بالقول إشارة إلى التحذير مما هو زائد على المعتاد في كلام النساء من الرِّقة، وذلك ترخيم الصوت، أي ليكن كلامكن جزلاً. وعطف {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً} على لا تخضعن بالقول بمنزلة الاحتراس لئلا يحسبن أن الله كلفهن بخفض أصواتهن كحديث السرار. والقول: الكلام، والمعروف: هو الذي يألفه الناس بحسب العرف العام، ويشمل القول المعروف هيئة الكلام، وهي التي سيق لها المقام، ويشمل مدلولاته أن لا ينتهرن من يكلمهن أو يسمعنه قولاً بذيئاً من باب: فليقل خيراً أو ليصمت. وبذلك تكون هذه الجملة بمنزلة التذييل لما قبلها. فتنة لا بد من الانتباه لها عند مخاطبة العلماء والدعاة أختي المسلمة؛ إنّ محبتنا واعتزازنا بعلمائنا وإخواننا من الدعاة العاملين لنصرة دين الله فرعٌ عن محبتنا لله عزّ وجلّ، وهو أمر طيب أقرّه الله تعالى، حيث قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} قال ابن كثير: "{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، أي: يتناصرون ويتعاضدون، كما جاء في الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» وشبك بين أصابعه. وفي الصحيح أيضاً: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» .

ومن ضوابط الاختلاط في الاماكن العامة ، أوجب أن تكون صفوف النساء في المؤخرة ،ورسخ الإسلام قيمة أن تتميز الفتاة بدار للعلم منفصلة عن الرجال ، لما لحياتها من خصوصية ، وذلك منعاً للفساد الذي نراه حالياً في مختلف دور العلم المختلطة والذي نشاهد عواقبه وآثاره المدمرة على الأخلاق والقيم والفضائل وتدنيس الأعراض بسبب البعد عن الإسلام وتربيته وضوابطه .ومن الضوابط أيضا لباسها الساتر الذي يستوعب جميع البدن ، مع عدم إبداء الزينة وبعيداً عن التشبه بالرجال لقوله تعالى : « يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما » ، أما ما نراه اليوم من ملابس فاضحة ، وعرض للأزياء في دور العلم ، مما يبعد العلم عن مقصوده وهدفه ، والعلة من فرض الله للعلم للمرأة ، هو إدخال العلم والمعرفة والتربية والخلق الحسن إلى نفوس النساء بهذا العلم الذي جعله نور للأمم ومشكاة تقود الأمة نحو التقدم والنهوض بها من الردى والتخلف الذي ساد في الجاهلية الأولى.


المطلب الثاني: حق المرأة في المشاركة في المجامع العلمية في الشريعة الاسلامية


حرص الإسلام على الاهتمام بأن تشارك المرأة في مجالس العلم ، ولتحقيق هذا الهدف حرص على اشتراكها في المجامع الإسلامية العامة الكبرى منها والصغرى، فرغب بأن تحضر صلاة الجماعة، وأن تشهد صلاة الجمعة وخطبتها، وأن تشهد صلاة العيد وخطبتها وإن كانت في حالة العذر المانع لها من أداة الصلاة، وأمرها بالحج والعمرة، وحثها على حضور مجال العلم، وخاطب الله النساء بمثل ما خاطب به الرجال، وجعلهنَّ مندرجات في عموم خطاب الرجال في معظم الأحوال، حرصًا على تعليمهن وتثقيفهنَّ وتعريفهنَّ أمور دينهنَّ، ومشاركتهنَّ في القضايا العامة للمسلمين.

وما أدل على ذلك من أن النبي صلى الله  عليه وسلم خصص للنساء أيامًا يجتمعن فيها، ويعلمهنَّ مما علمه الله، إضافة إلى الأيام التي يحضرن فيها مع الرجال، ليتزودون من العلم ما يخصهنَّ، ويتعلق بشؤونهنَّ، مما ينفردن به عن الرجال، بمقتضى تكوينهنَّ الجسدي والنفسي، إذ بلغت عندهنَّ الجرأة الأدبية الطيبة أن يطلبن ذلك من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فاستجاب لهنَّ - صلوات الله عليه -. يروي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله. قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلمهنَّ مما علمه الله. ثم قال: «ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابًا من النار، قالت امرأة: واثنين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنين ». فهذه امرأة من الصحابيات تأتي الرسول - صلوات الله عليه - بجرأة أدبية وتخاطبه برباطة جأشٍ فتقول له: « يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله".

ومن الأدلة على السماح للمرأة في المشاركة في المجامع العلمية ، ذلك النموذج الذي يظهر في ملامح الدعوة الإسلامية التي قامت بها الصحابيات الجليلات قد ارتسمت في كل أمور الحياة الاجتماعية والسياسية ، فلم يكن من المستغربأن هناك العديد من النسوة قمن بتقديم النصائح للقادة والحكام وراجعنهم في كثير من الأمور باعتبار ذلك من مشاركة المرأة في المجامع العلمية في الإسلام ، وهذا إقرار كبير وواضح من الشريعة الإسلامية التي أجازت للمرأة المشاركة في أعمال الدعوة الإسلامية ونشر التعاليم الدينية ورافقت الرجال في الخروج لتبليغ الرسالة المحمدية إلى شتى أقطار العالم ، فلم يخلو بعث من الداعيين والداعيات إلى الإسلام ، وهناك دليل آخر قصة تلك المرأة التي دخلت على عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين ، وكانت المرأة خولة بنت ثعلبة – رضي الله عنها – وهي عجوز كبيرة في السن والناس معه وهو على حمار ، فجنح إليها وتنحى الناس عنها فناجاها طويلاً ، ثم انطلقت ، فقالوا : «يا أمير المؤمنين ؛ حبست رجالات قريش علة هذه العجوز ! »، قال : «أتدرون من هي ؟ هذه خولة بنت ثعلبة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ، فوالله لو قامت هكذا إلى الليل لقمت معها إلى أن تحضر الصلاة وأنطلق أصلي ثم أرجع إليها » ، وهنا لا يخفى الحق التي منحها الإسلام للمرأة في المشاركة في الاجتماعات العلمية مع الرجال ولا سيما كبار العلماء )

وقد شاركت النسوة في صدر الإسلام في رواية الحديث عن الرسول – صلى الله عليه وسلم- ، حيث ذكر لنا التاريخ الإسلامي عدد كبراً من النساء الصحابيات وتلميذاتهن من التابعات ، ممن ساهمن في جمع الروايات ، وقمن بدور مماثل لدور عائشة في نقل آثار السنة النبوية إلى الأجيال التالية ، فقد تلقت هؤلاء السيدات المسلمات من التابعات العلوم المختلفة على أيدي آبائهن أو أقاربهن أو ما سعين لتعلمه من الصحابيات والصحابة في مجالس علمهم ، وهؤلاء المعلمون استقوا معارفهم الدينية من نبع النبوة مباشرة ،وهو دليل أكيد على جواز مشاركة النسوة في المجامع العلمية ، والنهل من المعين الأنضب فيه وهو كتاب الله- سبحانه وتعالى - وسنة نبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم – ".

فهذه أم الدرداء تنكر على الخليفة الأموي – عبد الملك بن مروان – بعض سلوكه ، فعن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بانجاد – متاع البيت- من عنده ، فلما كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه ، فلعنه ... ، فلما أصبح قالت له أم الدرداء سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته !! ثم قالت سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة » ) ( ، وهذا ابن عمر يفتي في موضوع البكاء على الميت ، فترى في ذلك السيدة عائشة خطأ ومخالفة لصريح النص ، فترد عليه حتى لا تضيع قاعدة الأمر بالمعروف ، فعن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال : توفيت ابنة عثمان -رضي الله عنه بمكة – وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس – رضي الله عنهما - واني لجالس بينهما فقال عبد الله بن عمر –رضي الله عنه – لعمرو بن عثمان: ، «ألا تنهى عن البكاء؟ فان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «ان الميت ليعذب ببكاء أهله ببكاء أهله » ، فقال بن عباس – رضي الله عنه – فلما مات عمر ذكرت لعائشة – رضي الله عنها – فقالت: ، «رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن الله ليعذب الميت ببكاء أهله » ، ولكن رسول الله قال : «ان الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه وقالت:– «حسبكم القرآن – ولا تزر وازرة وزر أخرى » (، قال ابن عباس – رضي الله عنه- «عند ذلك والله هو أضحك وأبكى  ).


المطلب الثالث: حق المرأة في ممارسة مهنة التعليم والتدريس في الشريعة الاسلامية

في هذا الجانب لا يمكننا تخصيص الكلام عن عمال المرأة في مجال التعليم , بل سنتحدث عن شروط عمل المرأة , والتعليم يندرج تحت مجالات العمل التي يباح للمرأة ممارستها  ضمن الضوابط الشرعية .

الأصل أن تبقى المرأة في بيتها ، وألا تخرج منه إلا لحاجة ، قال تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) ، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك ، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين .

وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( المرأة عورة ، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان ، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها ) رواه ابن حبان وابن خزيمة ،.

وقال صلى الله عليه وسلم في شأن صلاتهن في المساجد : ( وبيوتهن خير لهن )


ثم إن أعمال المرأة خارج المنزل قسمان:

1.  أعمال تمس فيها الحاجة إلى المرأة : كالتوليد والتطبيب للنساء ، وكتعليم النساء في مدارس خاصة لهن ، فمثل هذه المرافق ينبغي للأمة أن تهيئ لها طائفة من النساء تسد حاجة المجتمع وتقوم بمتطلباته ، فكما أن الأمة يجب أن توفر من يقوم بفروض الكفايات – كالجهاد والدفاع عن الحمى – ، فإن هذه الأمور النسائية من أهم فروض الكفايات التي يجب أن توفر من يقوم بها ممن لهن القدرة على ذلك من النساء .

2. أعمال يقوم بها الرجال ، ولا تتوقف الحاجة فيها إلى النساء : كالزراعة والصناعة والتجارة ، فهذه الأعمال يجوز أن تزاول المرأة فيها أعمالاً حسب ضرورتها ومقدرتها وإمكانيتها

شروط عمل المرأة

يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للعمل ، وذلك وفق ضوابط معينة إذا توفرت جاز للمرأة أن تخرج ، وهي :

- أن تكون محتاجة إلى العمل ، لتوفير الأموال اللازمة لها ، كما في حالتك .

- أن يكون العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها ، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك 

- أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي .

- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم .

- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم ، كالخلوة مع السائق ، أو وضع الطيب.

- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها ، والقيام بشئون زوجها وأولادها .

قال الشيخ محمد الصالح العثيمين : " المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً , وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك , وأما العمل في مجالات تختص بالرجال ، فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال ، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها , ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال : (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال " انتهى .

- أن لا يعارض عملُها الوظيفةَ الأساسية في بيتها نحو زوجها وأطفالها ، وذلك بأن لا بأخذ عليها العمل كل وقتها بل يكون وقت العمل محدودا فلا يؤثر على بقية وظائفها .

- أن يكون خروجها للعمل بعد إذن وليها كوالديها ، أو زوجها إن كانت متزوجة .

- خلو العمل من المحرمات ، كالتبرج والسفور وغيرهما .

- أن تتحلى بتقوى الله سبحانه وتعالى ، فهذا يكسبها سلوكاً منضبطاً وخلقاً قويماً يريحها أولاً ، ويريح الآخرين من الفتن ثانياً .

المطلب الرابع : حق المرأة في التعليم في المواثيق الدولية 

لا بد  قبل الخوض في حق المرأة في التعليم في المواثيق والاتفاقيات الدولية من الاشارة الى تناول القوانين والاتفاقيات الدولية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ومنع التمييز بينهما على اساس الجنس في مختلف مجالات الحياة ومن ضمنها التعليم ،فقد ورد في المادة ١و٢ من  اتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة الصادرة عن الامم المتحدة

 المادة 1

لأغراض هذه الاتفاقية يعنى مصطلح "التمييز ضد المرأة" أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.

المادة 2

تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي:

(أ) إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة،

(ب) اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة،

(ج) فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي،

(د) الامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام؛

(هـ) اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة،

(و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة،

(ي) إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة.


وعند النظر إلى القانون الدولي، نجد أنه اهتم بالتعليم ، حيث طبقت الأمم المتحدة إلزامية  التعليم في إعلانها للقضاء على التمييز ضد المرأة لعام 1967 و، اتخذ جميع التدابير من أجـل  تمتع المرأة بالتعلم ، سواء أكانت متزوجة أو غير متزوجة ، وساو ى حقها في التعليم كما الرجل،  في جميع المستويات، وكافة أنواع المؤسسات التعليمية ، سـواء المـدارس ، أو الجامعـات ، أو  المؤسسات المهنية، وكذلك ساو ى بين الجنسين في المناهج الدراسية ، وفي الامتحانـات ، وفـي  الحصول على المنح. 

ويتضح مما سبق أن التعليم حق لكل من الرجل والمرأة على قدم المساواة ، فقـد حـث  الدين الإسلامي على التعليم ، وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، كما أقر القـانون ا لـدولي  باتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل تمتع المرأة بالتعليم ، سـواء أكانـت متزوجـة أو غيـر  متزوجة و ، أعطاها حقها في التعليم مع الرجل وفي جميع المستويات . وفي رأي الباحثة أنـه لا  يوجد مانع من تعلم المرأة ما دامت تلتزم بضوابط الشريعة، حيث إن الإسلام أجاز للمـرأة أن  تحضر مجالس العلم مع الرجال ضمن ضوابط معينة، وخاصة أن التعليم المختلط أصبح موجود اً في معظم الجامعات وهذا سبق الحديث عنه في المبحث السابق.

وقد ورد في الفصل الثالث وهو الفصل الذي خصصته اتفاقية  سيداو  للحديث عن مجالات التربية والتعليم خصوصا نظرا لأهميتهما.

الجزء الثالث

المادة 10

تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة لكي تكفل لها حقوقا مساوية لحقوق الرجل في ميدان التربية، وبوجه خاص لكي تكفل، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:

(أ) شروط متساوية في التوجيه الوظيفي والمهني، والالتحاق بالدراسات والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية على اختلاف فئاتها، في المناطق الريفية والحضرية على السواء، وتكون هذه المساواة مكفولة في مرحلة الحضانة وفى التعليم العام والتقني والمهني والتعليم التقني العالي، وكذلك في جميع أنواع التدريب المهني،

(ب) التساوي في المناهج الدراسية، وفى الامتحانات، وفى مستويات مؤهلات المدرسين، وفى نوعية المرافق والمعدات الدراسية،

(ج) القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط، وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، ولا سيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم،

(د) التساوي في فرص الحصول على المنح والإعانات الدراسية الأخرى،

(هـ) التساوي في فرص الإفادة من برامج مواصلة التعليم، بما في ذلك برامج تعليم الكبار ومحو الأمية الوظيفي، ولا سيما البرامج التي تهدف إلى التعجيل بقدر الإمكان بتضييق أي فجوة في التعليم قائمة بين الرجل والمرأة،

(و) خفض معدلات ترك الطالبات الدراسة، وتنظيم برامج للفتيات والنساء اللائي تركن المدرسة قبل الأوان،

(ز) التساوي في فرص المشاركة النشطة في الألعاب الرياضية والتربية البدنية،

(ح) إمكانية الحصول على معلومات تربوية محددة تساعد على كفالة صحة الأسر ورفاهها، بما في ذلك المعلومات والإرشادات التي تتناول تنظيم الأسرة.


المطلب الخامس :خلاصات ونتاجات البحث

يمكننا ان نستخلص مما سبق بيانه أن موضوع تعليم المرأة هو موضوع ليس غريب عن الفقه الاسلامي ، بل ان كل كتب الفقه والحديث تناولته وتحدثت عنه ، وقد برز الاهتمام بتعليم المرأة المسلمة بداية مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انه كان يحث الصحابة لإرسال زوجاتهم للمسجد ليتعلمن احكام دينهن  ويعلمن أبنائهن كذلك ،لما لهن من دور مهم ومحوري في تربية الاجيال القادمة التي يحرص النظام الإسلامي في التربية على إعدادهم إعدادا جيدا ليكونوا قادة وعلماء وفقهاء ويحملوا راية الدعوة الإسلامية على بصيرة وعلم وليس على جهل وضلال ، بل وأصبحن مراجع علمية وفقهية يرجع إليهن الصحابة ويتتلمذ على ايديهن العلماء

وتلك الحقبة سبقت القوانين الدولية والاعراف العالمية التي انتبهت لهذه القضية بعد الثورة الفرنسية ، وابصرت تشريعاتها النور بعد الحروب العالمية الأولى والثانية ، فكان القانون الدولي والاتفاقيات التي عقدت بعده تكملة لمشوار في القانون الانساني الذي ارسى دعائمه الدين الاسلامي ، 

وبعد البحث والمقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون والاتفاقات الدولية لم اجد تعارضا بينهما فيما يتعلق بتعليم المرأة  بل وجدت تعاضدا ، إلا أن الدين الاسلامي سبق القانون الدولي بوضع آداب يجب على المرأة والرجل الالتزام بها في مجالات التربية والتعليم كالاحتجاب ومنع الخلطة لغير ضرورة وغيرها فبذلك  كان القانون الدولي بمثابة تطبيق عملي ملزم بقوانين ودساتير دوليه وليست محلية فقط ، فبذلك كان القانون الدولي أشمل في تطبيقه لمبادئ التعليم لأنه لا يخاطب جهة او جماعة او دولة او ديانة بعينها وانما يخاطب العالم أجمع ، 

ولا ضير في نظري من اعتماد بلاد المسلمين لهكذا اتفاقيات فيما يتلاءم والفكر الاسلامي الذي يسعى لنشر الفضيلة في كل اقطار العالم ، لأنه يعلم يقينا بأن الدين لا يمكن ان يصل للناس إلا عن طريق العلم والعقل ، فهذا كان منهج الاسلام قديما وحديثا  .


تعليقات