مفهوم التدليس

 

§        مفهوم التدليس:

ذكره ابن الصلاح تحت عنوان[1] : " النَّوْعُ الثَّانِيَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ التَّدْلِيسِ وَحُكْمُ الْمُدَلِّسِ "

التَّدْلِيسُ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ مُوهِمًا أَنَّهُ قَدْ لَقِيَهُ وَسَمِعَهُ مِنْهُ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَاحِدٌ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرُ.

وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَقُولَ فِي ذَلِكَ: (أَخْبَرَنَا فُلَانٌ) وَلَا (حَدَّثَنَا) وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ: (قَالَ فُلَانٌ أَوْ عَنْ فُلَانٍ) وَنَحْوَ ذَلِكَ.

مِثَالُ ذَلِكَ: " مَا رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: " الزُّهْرِيُّ "، فَقِيلَ لَهُ: " حَدَّثَكُمُ الزُّهْرِيُّ؟ " فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: " الزُّهْرِيُّ "، فَقِيلَ لَهُ: " سَمِعْتَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ؟ " فَقَالَ: " لَا، لَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ".

الْقِسْمُ الثَّانِي: تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ، وَهُوَ: أَنْ يَرْوِيَ عَنْ شَيْخٍ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْهُ، فَيُسَمِّيَهُ أَوْ يُكَنِّيَهُ، أَوْ يَنْسُبَهُ، أَوْ يَصِفَهُ بِمَا لَا يُعْرَفُ بِهِ، كَيْ لَا يُعْرَفَ.

مِثَالُهُ: مَا رُوِيَ لَنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ الْإِمَامِ الْمُقْرِئِ: أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّقَّاشِ الْمُفَسِّرِ الْمُقْرِئِ، فَقَالَ: " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَنَدٍ "، نَسَبَهُ إِلَى جَدٍّ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَمَكْرُوهٌ جِدًّا، ذَمَّهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ شُعْبَةُ مِنْ أَشَدِّهِمْ ذَمًّا لَهُ. فَرُوِّينَا عَنِ الشَّافِعِيِّ الْإِمَامِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ ". وَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ ". وَهَذَا مِنْ شُعْبَةَ إِفْرَاطٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَالتَّنْفِيرِ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ عُرِفَ بِهَذَا التَّدْلِيسِ فَجَعَلَهُ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ مَجْرُوحًا بِذَلِكَ، وَقَالُوا: لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ بِحَالٍ بَيَّنَ السَّمَاعَ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ.

وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُدَلِّسُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ وَالِاتِّصَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ وَأَنْوَاعِهِ، وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُبَيِّنٍ لِلِاتِّصَالِ نَحْوَ (سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا) وَأَشْبَاهِهَا فَهُوَ مَقْبُولٌ مُحْتَجٌّ بِهِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرٌ جَدًا: كَقَتَادَةَ، وَالْأَعْمَشِ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَهِشَامِ بْنِ بَشِيرٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَهَذَا لِأَنَّ التَّدْلِيسَ لَيْسَ كَذِبًا، وَإِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِيهَامِ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ.

وَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنَ الْمُدَلِّسِ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْ أَجْرَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ عَرَفْنَاهُ دَلَّسَ مَرَّةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فَأَمْرُهُ أَخَفُّ، وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، وَتَوْعِيرٌ لِطَرِيقِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَنْ يَطْلُبُ الْوُقُوفَ عَلَى حَالِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ.

وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْغَرَضِ الْحَامِلِ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ شَيْخِهِ الَّذِي غَيَّرَ سَمْتَهُ غَيْرَ ثِقَةٍ، أَوْ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرَ الْوَفَاةِ قَدْ شَارَكَهُ فِي السَّمَاعِ مِنْهُ جَمَاعَةٌ دُونَهُ، أَوْ كَوْنُهُ أَصْغَرَ سِنًّا مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ، أَوْ كَوْنُهُ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فَلَا يُحِبُّ الْإِكْثَارَ مِنْ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَتَسَمَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ الْمُصَنِّفِينَ، مِنْهُمُ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَدْ كَانَ لَهِجًا بِهِ فِي تَصَانِيفِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

كما ذكر ابن الصلاح تحت عنوان[2]: " النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ:

مَعْرِفَةُ مَنْ ذُكِرَ بِأَسْمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ نُعُوتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَظَنَّ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِهَا أَنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ أَوِ النُّعُوتَ لِجَمَاعَةٍ مُتَفَرِّقِينَ :

هَذَا فَنٌّ عَوِيصٌ، وَالْحَاجَةُ إِلَيْهِ حَاقَّةٌ، وَفِيهِ إِظْهَارُ تَدْلِيسِ الْمُدَلِّسِينَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ ذَلِكَ إِنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَدْلِيسِهِمْ.

وَقَدْ صَنَّفَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ.

مِثَالُهُ: مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ، هُوَ أَبُو النَّضْرِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ حَدِيثَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، وَهُوَ حَمَّادُ بْنُ السَّائِبِ، الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو أُسَامَةَ

حَدِيثَ: " ذَكَاةُ كُلِّ مَسْكٍ دِبَاغُهُ "، وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ التَّفْسِيرَ يُدَلِّسُ بِهِ مُوهِمًا أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ.

وَمِثَالُهُ أَيْضًا: سَالِمٌ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هُوَ سَالِمٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، وَهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ، وَهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ النَّصْرِيِّ، وَهُوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُسَمًّى بِسَالِمٍ مَوْلَى النَّصْرِيِّينَ، وَفِي بَعْضِهَا بِسَالِمٍ مَوْلَى الْمَهْرِي، وَهُوَ فِي بَعْضِهَا سَالِمٌ سَبَلَانُ، وَفِي بَعْضِهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، وَفِي بَعْضِهَا سَالِمٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيُّ، وَفِي بَعْضِهَا سَالِمٌ مَوْلَى دَوْسٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ.

قُلْتُ: وَالْخَطِيبُ الْحَافِظُ يَرْوِي فِي كُتُبِهِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيِّ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيِّ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيِّ، وَالْجَمِيعُ شَخْصٌ وَاحِدٌ مِنْ مَشَايِخِهِ.

وَكَذَلِكَ يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ، وَالْجَمِيعُ عِبَارَةٌ عَنْ وَاحِدٍ.

وَيَرْوِي أَيْضًا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ التَّنُوخِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُحَسِّنِ، وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحَسِّنِ التَّنُوخِيِّ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْمُعَدَّلِ، وَالْجَمِيعُ شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

 

 

 

ذكر الجعبري في رسوم التحديث تحت النوع [3][الرَّابِع عشر: معرفَة التَّدْلِيس]

التَّدْلِيس:

لُغَة: من الدلسة: الظلمَة.

وَاصْطِلَاحا: أَن يعاصر الرَّاوِي شخصا روى عَنهُ بتوسط، فأوهم عدمهَا، كقال، أَو لم يرو عَنهُ أَو الْبَعْض فَلبس.

وَيقرب مِنْهُ إِبْهَام الْكَيْفِيَّة، فَإِن حزم فكاذب.

وَهُوَ معنى قَول الشَّافِعِي: أَخُو الْكَذِب.

[تَدْلِيس الشُّيُوخ]  أَو يبهم شَيْخه.

[أَسبَاب تَدْلِيس الْإِسْنَاد]  أَو يحذفه لمذموم كضعفه أَو مُبَاح كصغره أَو تَأَخره أَو كَثْرَة رِوَايَته عَنهُ.

[تَدْلِيس الْأَمَاكِن] أَو مَكَانَهُ كالعراق.

وَأكْثر مِنْهُ الْأَعْمَش وَالثَّوْري.

وكل مَكْرُوه وَإِن تسَامح الْخَطِيب.

ومفسدته راجحة على مصْلحَته.

[ثُبُوت تَدْلِيس الرَّاوِي]

وَيثبت بِالْعَادَةِ (الشَّافِعِي) وبمرة، وَقَبله أَبُو حنيفَة وصاحباه وَالنَّخَعِيّ للصدق، وَضَعفه الشَّافِعِي وَأحمد وَابْن الْمسيب وَالزهْرِيّ، وَإِن بَين للتلبيس /.

وَالْحق أَن مَا سلم فِيهِ مِنْهُ: صَحِيح فِي الصِّحَاح وَيحْتَمل آخر، وَإِلَّا فنوع من الْمُرْسل.

 

وذكر صاحب المنهل الروي تحت عنوان التدليس ما يلي [4]: وَهُوَ قِسْمَانِ تَدْلِيس الْإِسْنَاد وتدليس الشُّيُوخ الأول تَدْلِيس الْإِسْنَاد وَهُوَ أَن يروي عَمَّن لقِيه أَو عاصره مَا لم يسمعهُ مِنْهُ موهما أَنه سَمعه مِنْهُ وَلَا يَقُول أخبرنَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَنَحْوه بل يَقُول قَالَ فلَان أَو عَن فلَان أَو أَن فلَانا قَالَ وَشبه ذَلِك ثمَّ قد يكون بَينهمَا وَاحِد وَقد يكون أَكثر وَهَذَا الْقسم من التَّدْلِيس مَكْرُوه جدا وفاعله مَذْمُوم عِنْد أَكثر الْعلمَاء وَمن عرف بِهِ مَجْرُوح عِنْد قوم لَا تقبل رِوَايَته بَين السماع أَو لم يُبينهُ وَالصَّحِيح التَّفْصِيل فِيمَا بَين فِيهِ الِاتِّصَال ب سَمِعت وَحدثنَا وَنَحْو ذَلِك مَقْبُول فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا مِنْهُ كثير وَذَلِكَ لِأَن هَذَا التَّدْلِيس لَيْسَ كذبا مَا لم يبين فِيهِ الِاتِّصَال بل لَفظه مُحْتَمل فَحكمه حكم الْمُرْسل وأنواعه وأجرى الشَّافِعِي هَذَا الحكم فِيمَن دلّس مرّة

الْقسم الثَّانِي تَدْلِيس الشُّيُوخ وَهُوَ أَن يُسَمِّي شَيخا سمع مِنْهُ بِغَيْر اسْمه الْمَعْرُوف أَو يكنبه أَو ينْسبهُ أَو يصفه بِمَا لم يشْتَهر بِهِ كَيْلا يعرف وَهَذَا أخف من الأول وتختلف الْحَال فِي كراهيته بِحَسب اخْتِلَاف الْقَصْد الْحَامِل عَلَيْهِ وَهُوَ أما لكَونه ضَعِيفا أَو صَغِيرا أَو مُتَأَخّر الْوَفَاة أَو لكَونه مكثرا عَنهُ فَيكْرَه تكراره على صُورَة وَاحِدَة وَهُوَ أخفها وَقد جرى عَلَيْهِ المصنفون وتسمحوا بِهِ وَأكْثر الْخَطِيب مِنْهُ .

 

وقد عرف الذهبي المدلس في الموقظة بقوله: [5]

ما رواه الرجلُ عن آخَر، ولم يَسمعه منه، أو لم يُدركه. فإن صَرَّح بالاتصال وقال: "حدَّثنا"، فهذا كذَّاب. وإن قال: "عن"، احتُمِلَ ذلك، ونُظِرَ في طبقَتِه: هل يُدرِكُ مَن هو فوقَهُ؟ فإن كان لَقِيَه، فقد قرَّرناه. وإن لم يكن لَقِيَه، فأمْكَنَ أن يكون مُعاصِرَه، فهو محلُّ تردُّد. وإن لم يُمكِن، فمنقطِع. كـ: قتادة عن أبي هريرة.

وحُكْمُ: "قال"، حُكْمُ: "عن". وَلَهُم في ذلك أغراض:

- فإن كان لو صَرّحَ بمن حَدَّثه عن المُسَمَّى، لعُرِفَ ضَعْفُه: فهذا غَرَضٌ مذموم، وجِنايةٌ على السُّنَّة. ومَن يُعاني ذلك، جُرِحَ به، فإنَّ الدينَ النصيحة.

- وإن فَعَلهُ طَلَباً للعلو فقط، أو إيهاماً بتكثير الشيوخ، بأن يُسمِّي الشيخَ مرَّةً ويُكَنِّيه أخرى، وَيَنْسُبَه إلى صَنْعةٍ أو بلدٍ لا يكادُ يُعرَف به، وأمثالَ ذلك - كما تقولُ: "حدَّثَنا البُخَاريُّ"، وتَقصِدُ به من يُبَخِّرُ الناس، أو: "حدَّثنا عَلِيٌّ بما وراءَ النهر"، وتعني به نهراً، أو: "حَدَّثنا بزَبِيد "، وتُرِيد موضعاً بقُوص ، أو: "حدَّثنا بِحَرَّان"، وتُريدُ قريةَ المَرْج - فهذا مُحْتَمَلٌ، والوَرَعُ تَرْكُه.

ومِن أمثلة التدليس: الحَسَنُ عن أبي هريرة. وجمهورُهم على أنه منقطع، لم يَلْقَه  . وقد رُوِيَ عن الحَسَنِ قال: "حدَّثنا أبو هريرة". فقيل: عَنَى بـ "حَدَّثَنا": أهلَ بلدِه.

وقد يؤدِّي تدليسُ الأسماء إلى جهالةِ الراوي الثقة، فيُرَدُّ خبَرُه الصحيح! فهذه مَفْسَدَة، ولكنها في غير "جامع البخاريّ" ونحوِه، الذي تَقرَّرَ أنَّ موضوعَه للصحاح. فإنَّ الرجلَ قد قال في جامعه: "حدَّثنا عبدُ الله"، وأراد به: ابنَ صالح المصري. وقال: "حدَّثنا يعقوب"، وأراد به: ابنَ كاسِب. وفيهما لِين. وبكل حالٍ: التدليسُ منافٍ للإخلاص، لِمَا فيه من التَّزَيُّن


[1] مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث - ت عتر (ص: 73- 76)

[2] مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث - ت عتر (ص: 323-325)

[3] رسوم التحديث في علوم الحديث ، برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجعبريّ (المتوفى: 732هـ) ، المحقق: إبراهيم بن شريف الميلي، الناشر: دار ابن حزم - لبنان / بيروت، الطبعة: الأولى، 1421هـ - 2000م (ص: 74 -75)

[4] المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي ، أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، بدر الدين (المتوفى: 733هـ)، المحقق: د. محيي الدين عبد الرحمن رمضان ، الناشر: دار الفكر - دمشق

الطبعة: الثانية، 1406 (ص: 72-73)

 

[5] الموقظة في علم مصطلح الحديث ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)

اعتنى به: عبد الفتاح أبو غُدّة، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة: الثانية، 1412 هـ (ص: 47)

 


تعليقات