ذريعة استفت قلبك


بتنا نرى في الآونة الأخيرة كثير من الأشخاص يحرمون الحلال ويبيحون الحرام واذا سألتهم تجدهم يردون عليك بحديث إستفت قلبك ,
 نعم ان هنالك جهل كبير بمقصود كلام سيد المرسلين , ولكن الكارثة تكمن في  أن الشخص المتصدر للفتوى يريد أن يبيح حراما أو يحرم حلالا تحت هذه الذريعة 
فما حقيقة الحديث وما صحته وكيف يحسن الإستدلال به إذا

تخريج الحديث

يقول صلى الله عليه وسلم: "يا وابصة، استفت قلبك، واستفت نفْسَك ثلاث مرات؛ البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك". (حديث صحيح، رواه أحمد والدارمي)

معنى الحديث

المراد من الحديث أن المؤمن صاحب القلب السليم قد يستفتي أحداً في شيء فيفتيه بأنه حلال ، ولكن يقع في نفس المؤمن حرج من فعله ، فهنا عليه أن يتركه عملاً بما دله عليه قلبه
أما إن استفتى الشخص عالما فأفتاه بالحرمة فيجب عليه الأخذ بفتوى المفتي ولا عبرة لفتوى قلبه.
قال الغزالي: واستفتاء القلب إنما هو حيث أباح المفتي، أما حيث حرم فيجب الامتناع، ثم لا نقول على كل قلب، فرب قلب موسوس ينفي كل شيء، ورب قلب متساهل يطير إلى كل شيء، فلا اعتبار بهذين القلبين، وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق لدقائق الأحوال، فهو المحك الذي يمتحن به حقائق الأمور، وما أعز هذا القلب. اهـ.
وقال ابن القيم : لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتِي إذا لم تطمئنَّ نفْسُه، وحاكَ في صدره من قَبوله، وتردَّد فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "استفتِ نفسكَ، وإن أفتاكَ الناس وأفتَوْكَ"، فيجب عليه أن يستفتيَ نفسه أوَّلاً، ولا تُخَلِّصه فتوى المفتي منَ الله، إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه،"

هل أتبع القلب أم الدليل؟

إن قام الدليل على الحكم ولكن لم تطمئن نفسك له هل تتبع قلبك أم الدليل
قال ابن رجب رحمه الله: "فأمَّا ما كان مع المفتي به دليلٌ شرعيٌّ ، فالواجب على المستفتي الرُّجوعُ إليه، وإنْ لم ينشرح له صدرُه، وهذا كالرخص الشرعية، مثل الفطر في السفر، والمرض، وقصرالصَّلاة في السَّفر، ونحو ذلك ممَّا لا ينشرحُ به صدور كثيرٍ مِنَ الجُهَّال، فهذا لا عبرةَ به .

وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أحياناً يأمرُ أصحابَه بما لا تنشرحُ به صدورُ بعضهم، فيمتنعون من فعله، فيغضب منْ ذلك، كما أمرهم بفسخ الحجِّ إلى العمرة، فكرهه من كرهه منهم، وكما أمرهم بنحرِ هديِهم، والتَّحلُّل من عُمرة الحُديبية، فكرهوه، وكرهوا مقاضاتَه لقريش على أنْ يَرجِعَ من عامِه، وعلى أنَّ من أتاه منهم يردُّه إليهم.
وفي الجملة، فما ورد النصُّ به، فليس للمؤمن إلا طاعةُ الله ورسوله، كما قال تعالى:  {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.

قيود العمل بالحديث

وضع بعض العلماء قيودا للعمل بهذا الحديث فقالوا:يحتاج المسلم لاستفتاء قلبه في حالات
1. عندما لا يجد من يفتيه في المسألة  أو لا يمكنه السؤال في تلك اللحظة فإنه يستفتي قلبه.
2. عندما تتعارض لديه الفتاوى من أهل العلم وكلهم موثوق لديه.
3. عندما يجد من يفتي له ممن لا يثق في فتواه المرخصة والمبيحة بدون دليل شرعي فحينها استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك.

4. الذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم ، لا القلب المريض ، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها

أ. معتز السرطاوي

تعليقات